.::||[ آخر المشاركات ]||::.
اخذ مني تحياتي وسلامي --- ميلا... [ الكاتب : خادم خدام الزجيه - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 1 - عدد المشاهدات : 6136 ]       »     خذ مني تحياتي وسلامي -- ولاد... [ الكاتب : سيد عدنان الحمامي - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 3 - عدد المشاهدات : 4999 ]       »     ولادة الامام الرضا ع --- مغرم ... [ الكاتب : سيد عدنان الحمامي - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 5 - عدد المشاهدات : 7321 ]       »     ابوذيات ونعي للأمام جعفر الصاد... [ الكاتب : سيد عدنان الحمامي - آخر الردود : سيد عدنان الحمامي - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 2609 ]       »     ولادة الحسن المجتبى ع [ الكاتب : سيد عدنان الحمامي - آخر الردود : سيد عدنان الحمامي - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 3226 ]       »     اعمل ما يفرح الامام المهدي في ... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 4786 ]       »     الإمام المهدي غيب الله وسره [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 2970 ]       »     الإِمَامُ المَهدِي قَائِدٌ عَا... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 3060 ]       »     بماذا ننتظر الإمام المهدي؟ [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 3160 ]       »     15 شعبان.. مولد الإمام المهدي ... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 2645 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 14940



 
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
#1  
قديم 10-17-2011, 09:21 PM
نـــائب المدير
المعارف غير متواجد حالياً
    Male
اوسمتي
وسام الاداري المميز Default Medal المشرف المميز العضو المميز 
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 118
 تاريخ التسجيل : May 2011
 فترة الأقامة : 5142 يوم
 أخر زيارة : 10-30-2012 (10:36 PM)
 المشاركات : 1,850 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
Lightbulb الاخلاق في القران



الاخلاق في القران



على مستوى الممارسة والكلام، ولا يصدر منه سلوك يشير إلى سوء الظن هذا فإنّه لا يقع مورد الذم ولا العقاب، ولذلك ذكر بعض علماء الأخلاق في هذا المجال: «وَأَمّا الخَواطرُ وَحَدِيثُ النَّفسِ فَهُو مَعفُوٌ عَنهُ... وَلَكنَّ المَنهِيَّ عَنهُ أَنْ تَظُنَّ، والظَّنُّ عِبـارَةٌ عَمّا تِركَنُ إِلِيهِ النَّفسُ وَيَميلُ إِلَيهِ القَلبُ»(1).
وخلاصة الكلام أنّ سوء الظن له ثلاثة مراحل:
أحدها: سوء الظن القلبي.
الثانية: سوء الظن اللّساني.
الثالثة: سوء الظن العملي.
فأمّا ما كان في القلب فلا يقع مشمولاً للتكليف لأنّه خارج عن دائرة الاختيار، ولكنّ ما يصدر من الإنسان بلسانه أو بعمله فهو الممنوع والحرام.
ولهذا ورد في بعض الروايات قوله(عليه السلام): «وإِذا ظَنننتَ فلا تَحَقِّقْ»(2).
الطريق الثاني: إنّ الكثير من أشكال سوء الظن غير الاختيارية تتضمّن مقدّمات اختيارية في البداية أو في إدامتها واستمرارها، فالأشخاص الذين يجالسون رفاق السوء فيحصل لهم سوء الظن بالأخيار ينبغي عليهم اجتناب مثل هذه المعاشرة ولمثل هؤلاء الرفاق من الفسّاق والأشرار حتى لا تحصل لديهم حالة سوء الظن تجاه الآخرين، وهذا أمر اختياري، ولكن لو حصل له سوء الظن بدون مقدّمات اختيارية، فيجب على الإنسان أن يتفكّر في حالته هذه ويضع في تصوّره احتمالات صحيحة إلى جانب الاحتمالات السيئة التي أورثته سوء الظن، مثلاً يقول: إنّ هذه المرأة الأجنبية التي رآها مع الشخص الفلاني، إمّا أن تكون أخته أو ابنة أخيه أو ابنة اُخته أو زوجته وأمثال ذلك من أقرباء الشخص الذين لا يعرفهم هو، فلا شك أنّ مثل هذا التفكير السليم واحتمال هذه الاحتمالات الصحيحة يتسبب في إضعاف سوء الظن عنده أو يزيله تماماً من ذهنه، ولهذا ورد في الحديث الشريف
1. المحجة البيضاء، ج5، ص268.
2. فرائد الاصول للشيخ مرتضى الأنصاري(قدس سره)، في حديث الرفع; بحار الانوار، ج55، ص320، ذيل الحديث 6.


[ 303 ]

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «اُطلُبْ لأخِيكَ عُذراً فَانْ لَم تَجِدْ لَهُ عُذراً فَالتَمِسْ لَهُ عُذراً»(1).
وقد مرّ علينا الحديث الشريف عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) هو أنّه قال: «لا تَظُنَنَّ بِكَلِمَة خَرَجَتْ مِنْ أَحَد سُوءً وَأَنتَ تَجِدُ لَهـا فِي الخَيرِ مُحتَمَلاً (مَحمَلاً»(2).
وعلى هذا الأساس يمكننا تقسيم سوء الظن إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ سوء الظن الذي يتجسّد في أفعال الشخص وكلماته وأقواله، وهذا القسم من سوء الظن الحرام.
2 ـ سوء الظن الذي لا يظهر أثره خارجاً، ولكنّه يمكن للشخص إزالته من خلال التفكير السليم وبواسطة إزالة مقدّماته الخارجية، فهذا النوع من سوء الظن يحتمل أن يكون مشمولاً لأدلّة الحرمة.
3 ـ سوء الظن الذي لا يترتب عليه أثر خارجي، وهو خارج تماماً عن دائرة اختيار الإنسان وإرادته ولا يمكن إزالته بشتى الوسائل، فمثل هذا الظن السيء لا يكون مشمولاً للتكاليف الشرعية مادام الإنسان لم يرتّب عليه أثراً معيّناً.
والقرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى في الآية 36 من سورة الأسراء: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا).
وفي هذه المرحلة يجب التوجّه إلى الاُصول والمباديء الحاكمة في دائرة علاج الأمراض الأخلاقية والرذائل النفسية، وأهمّها التفكّر في الآثار السلبية والعواقب الوخيمة لسوء الظن، لأنّه عندما يتفكّر الإنسان في عواقب سوء الظن وكيف أنّه يتلف رأس المال الاجتماعي بين أفراد البشر ويسلب منهم الثقة والاعتماد المتقابل ويربك الهدوء والاستقرار في مفاصل المجتمع، ويتسبب في خسارة الإنسان لأصدقائه وفقده لأحبائه ويورثه الغفلة عن واقعيّات الاُمور والحقائق الاجتماعية، ويقوده إلى إرتكاب الظلم والعدوان في حق الآخرين (كما تقدّم تفصيله سابقاً) فحينئذ سوف يبتعد عن هذه الرذيلة
1. بحار الانوار، ج72، ص196، ح15.
2. نهج البلاغة، الكلمات القصار، ح360; بحار الانوار، ج71، ص187.


[ 304 ]

الأخلاقية بدون صعوبة، كما أنّ إطّلاع الإنسان على كون الغذاء مسموماً سيخلق في نفسه مناعة شديدة عن تناوله، هذا من جهة.
ومن جهة اُخرى فإنّه كلّما تحرّك الإنسان لقطع جذور هذه الرذيلة وقلع أسبابها من مواقع النفس، أي مجالسة رفاق السوء والتي تسبب سوء الظن بالأخيار أو يبتعد مهما أمكنه عن الأجواء الملّوثة والمحيط السيء والفاسد، ويطهّر قلبه من أدران الحسد والحقد والتكبّر والغرور التي هي من العوامل المهمّة لسوء الظن وأمثال ذلك من الأسباب والعوامل الاُخرى، فسوف تنتهي وتزول منه هذه الرذيلة الأخلاقية.
ومضافاً إلى ذلك فإنّ بعض الاُمور يمكنها أن تساعد الإنسان على إنقاذه من شر هذه الحالة السلبية، وهي:
الف: البحث عن الاحتمالات السليمة في تبرير سلوكيات الآخرين المبهمة التي قد تورثه سوء الظن، كما قرأنا في الروايات السابقة عن أميرالمؤمنين(عليه السلام)قوله: «لا تَظُنَنَّ بِكَلِمَة خَرَجَتْ مِنْ أَحَد سُوءً وَأَنتَ تَجِدُ لَهـا فِي الخَيرِ مُحتَمَلاً (مَحمَلاً»(1).
ومن الواضح أنّ الكثير من الأعمال والسلوكيات الصادرة من الأشخاص تقبل التبرير السليم والحمل على الصحّة.
ب: أن يبتعد الإنسان عن التجسّس في أعمال الآخرين والذي قد يكون معلولاً لسوء الظن أولاً، ويتسبب كذلك في سوء الظن أيضاً، فلو أنّ الإنسان تجنّب التجسّس في حياة الآخرين الخصوصية فانّه يكون قد تخلّص من أحد الأسباب المهمّة لسوء الظن.
ج: أن لا يرتب أثراً عملياً على سوء ظنّه وبذلك يحقّق له أحد طرق العلاج لهذه الرذيلة، لأنّ الإنسان إذا أساء الظن بشخص من الأشخاص وأفعاله ثم جسّد سوء الظن هذا على سلوكياته وأفعاله كأن يبتعد عنه ويظهر عدم الثقة به أو يستشمّ من أفعاله وعلاقته بذلك الشخص أنّه يسيء الظن به، فهذه الحالة تسبب في تقوية سوء الظن وزيادته واشتداده، ولكن إذا لم يهتمّ لذلك ولم يرتّب عليه أثراً، فإنّه سيضعف تدريجياً وبالتالي سينتهي ولذلك
1. نهج البلاغة، الكلمات القصار، ح360.


[ 305 ]

ورد في الروايات الإسلامية: «إِذا ظَنَنَّتُم فَلا تَحَقَّقُوا»(1).
ولا شك أنّ الالتفات إلى العقوبات الإلهية الاُخروية والآثار المعنوية السلبية لهذه الرذيلة الأخلاقية والتي سبقت الإشارة إليها في الروايات الشريفة لها أثر قوي أيضاً في الوقاية من الابتلاء بهذا المرض المعنوي، وتمنح الإنسان القدرة على التحرّك بعيداً عن ممارسة تداعيات هذه الصفة الأخلاقية الذميمة.

موارد الاستثناء:

لاشك أنّ قبح سوء الظن رغم أنّه يعتبر قاعدة كليّة وأصل من الاُصول الاخلاقّية في دائرة علم الإخلاق، إلاّ أنّه هناك إستثناءات لهذا الأصل العام وردت الإشارة إليها في الروايات الإسلامية، ومن ذلك:
ألف) إذا ساد الفساد والإنحطاط الأخلاقي في مجتمع ما وكان التلّوث بالرذائل الإخلاقيّة هو السائد لهذا المجتمع البشري فانّ حسن الظن في مثل هذه الحالات ليس فقط لا يعدّ من الفضائل الإخلاقية، بل يمكن أن يورّط الإنسان بعواقب سلبيّة ومشاكل حقيقية أيضاً، وورد التحذير من هذا النوع من حسن الظن في الروايات الإسلاميّة.
فنقرأ في الحديث عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) قوله: «اِذا اسْتَوْلَى الصَّلاحُ عَلَى الزَّمـانِ وَاَهْلِهِ ثُمَّ أسـاءَ رَجُلٌ الظَنَّ بِرَجُل لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ حَوْبَةٌ فَقَدْ ظَلَم، وَإِذا اسْتَوْلَى الْفَسـادُ عَلَى الزَّمـانِ وَاَهْلِهِ فَاَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَ بِرَجُل فَقَدْ غَرَّرَ»(2).
وهذا المضمون ورد أيضاً بتعبيرات مختلفة عن الإمام الصادق(عليه السلام)والكاظم(عليه السلام)والهادي(عليه السلام)(3).
وقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «اِحْتَرِسُوا مِنَ النّـاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ»(4).
1. كنز العمال، ج3، ص479، ح7585.
2. نهج البلاغة، كلمات قصار، ح 114.
3. ميزان الحكمه، ج 2، ص 1787، ح 11575 تا 11577.
4. بحار الانوار، ج 74، ص 158، ح 142.


[ 306 ]

وهذا أيضاً يمكن أن يكون إشارة لمثل هذه الأزمان والحالات التي يسود فيها الإنحطاط الأخلاقي في مفاصل المجتمع البشري، وإلاّ فانّ سوء الظن بعنوانه أصل عام لا يمكن أن يكون مورد المدح والثناء والقبول.
ويستفاد من مجموع ما تقدم من الروايات أنّ الأصل في الأجواء الاجتماعية السالمة نسبياً هو حسن الظن، وعلى العكس من ذلك فإذا عاش الإنسان في أجواء فاسدة ومتخلّفة فانّ الأصل يجب أن يبتنى على سوء الظن، وطبعاً هذا لا يعني أن ينسب الإنسان بعض التهم ويلفّق بعض العيوب والنقائص لشخص من الأشخاص، بل ينبغي الاحتياط في مثل هذه الظروف لئلاّ يتورّط الإنسان في مشاكل ومصاعب يفرضها عليه هذا المحيط الفاسد.
وطبعاً لا ينبغي أن يكون هذا الاستثناء وهذه الروايات ذريعة بيد الأشخاص لكي يتحرّكوا من موقع سوء الظن بأيّ إنسان ويقول بأنّ هذا الزمان كثر فيه الفساد وشاع فيه الانحطاط فمن الخطأ حسن الظن بالناس، فحتى في الأزمنة الفاسدة والأجواء المنحطة يجب على الإنسان أن يصنّف الناس إلى عدّة أصناف، فيجعل من الأشخاص الذين يتجّلى في محياهم الصلاح والخير في دائرة الصالحين، فلا ينبغي أن يكونوا مورد سوء الظن مادام لم يشاهد منهم أمراً منكراً من موقع الوضوح.
ولكنه عليه أن يضع الفئات التي شاهد منها سلوكيات مخالفة وأفعال منكرة بصورة متكررة في صف الأشرار والمفسدين، ولا ينبغي عليه أن يحسن الظن بنيّاتهم وأفعالهم اطلاقاً.
ب) بالنسبة إلى الاُمور الأمنيّة في المجتمع الإسلامي والتي يتعلّق بها سلامة المجتمع وأمنه واستقراره لا يجوز حسن الظن بأيّة حركة مشكوكة في هذا المجتمع، بل يجب عليه أن يبتعد عن حسن الظن ما أمكنه ذلك، أو بتعبير آخر يجب عليه أن يتّخذ جلباب الاحتياط في تعامله مع هذه السلوكيات والحركات الصادرة من بعض الأفراد المشكوكين.
ومفهوم هذا الكلام لا يعني أنّه يجوز هتك حرمة الأفراد أو التعامل معهم بسلبية نتيجة سوء الظن، بل المراد أنّ جميع الحركات والسلوكيات المشكوكة يجب أن توضع تحت النظر
[ 307 ]

ويتمّ دراستها بدقّة، فلو اتّضح بعد التحقيق ومن خلال القرائن والبيّنات الواضحة أنّ مثل هذه الحركات كانت بدافع من سوء النيّة ومقترنة بتصرفات خاطئة ومحرّمة هناك ينبغي إتّخاذ التدابير العملية اللازمة.
ج) ومن الموارد الاُخرى التي يجوز فيها سوء الظن، بل قد يكون واجباً أيضاً هو في الحالات التي يكون الإنسان في مقابل العدو، ويمكن أن يطلب العدو الصلح وينادي بالمحبّة والصداقة ويعلن عن رغبته في التعاون وأمثال ذلك، فمثل هذه الموارد لا ينبغي التعامل معه بسذاجة وتصديق كلّما يقوله من موقع حسن الظن واسدال الستار عن الماضي نهائيّاً والتقدّم إلى العدو بابتسامة عريضة والشد على يده ومعانقته، بل ينبغي أن يضع في زاوية الاحتمال أن يكون هذا السلوك من العدو من موقع المكر والحيلة والخدعة لإستغفال الطرف المقابل.
ولهذا ورد في عهد مالك الأشتر المعروف قول أمير المؤمنين(عليه السلام): «الحَذَرُ كُلُّ الحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعدَ صُلحِهِ فَإنَّ العَدُوَّ رُبَّمـا قـاربَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالحَزمِ وَاتَّهِم فِي ذَلِكَ حُسنَ الظَّنِّ»(1).
—–
1. نهج البلاغة، الرسالة 53.


[ 308 ]


[ 309 ]

13/التجسّس في الحالات الخاصة للناس
13
التجسّس في الحالات الخاصة للناس



تنويه:

(التجسّس) بمعنى البحث والفحص في أعمال الآخرين والاُمور المتعلّقة بهم، وغالباً ما يكون هذا البحث في الاُمور السلبية ونقاط الضعف والسلوكيات الذميمة، ولكنّ التجسّس في لغة العرب يأتي بمعنى البحث والفحص في المسائل الإيجابية أيضاً.
وفي الحقيقة أنّ سوء الظن هو السبب في أن يتحرّك الإنسان للكشف عن أسرار الناس واُمورهم الخفيّة، وأحياناً تدخل عوامل اُخرى من قبيل: البخل والحسد وضيق الاُفق وأمثال ذلك في خلق هذه الحالة الذميمة لدى الإنسان.
التجسّس بالشكل المذكور آنفاً يعتبر حالة ذميمة جدّاً في دائرة المفاهيم الإسلامية ومن الأعمال المحرّمة حيث يتسبب في سلب الأمن الاجتماعي وخلق أنواع الخصومات والنزاعات بين الأفراد، فلو اُبيح لكلّ شخص أن يتدخّل في الكشف عن أسرار الآخرين والتدخل في اُمورهم الخاصّة في حياتهم الفردية والاُسرية، فلا يبعد أن يترتب على ذلك هتك حرمة الكثير من الأفراد وتدمير شخصيتهم الاجتماعية وبالتالي إندلاع نيران الحقد والعداوة والبغضاء في المجتمع بحيث يتحوّل مثل هذا المجتمع إلى جحيم لا يطاق.
وبالطبع فإنّ هذا الحكم الأخلاقي والإسلامي لا يتقاطع أبداً مع ضرورة وجود أجهزة
[ 310 ]

أمنيّة وتجسّسية في جهاز الحكومة الإسلامية، لأنّ ما تقدّم من التجسّس المذموم يتعلّق بالحياة الخاصة للأفراد، وأمّا هذا المعنى الثاني فيتعلّق بمصير المجتمع وأمنه ويهدف إلى التصدّي لمؤامرات الأعداء وكشف مخططاتهم والوقاية من تسرّب عناصر الشر والانحراف في مفاصل المجتمع الإسلامي.
وبهذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم لنستوحي منه الدروس الأخلاقية في هذا الباب.
نقرأ في القرآن الكريم آية واحدة تنهى عن التجسّس، وهي الآية 12 من سورة الحجرات حيث يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).
وكما تقدّمت الإشارة إليه في بحث الغيبة وسوء الظن فإنّ الآية الشريفة المذكورة أعلاه تنهى عن ثلاثة أشياء، وهي في الواقع بمثابة العلّة والمعلول، فالأول تنهى عن سوء الظن الذي يعدّ العلّة والمصدر للتجسّس، ثم تنهى عن التجسّس الذي يتسبب في الكشف عن عيوب الآخرين المستورة وبالتالي التحرّك من موقع غيبتهم وفضح معايبهم.
وكما تقدّمت الإشارة إليه آنفاً فإنّ (التجسّس) له مفهوم سلبي ويراد به عادة سلوك غير أخلاقي تجاه الآخرين، ولكنّ (التجسّس) قد يرد في مورد يكون البحث والفحص عن الشيء مطلوباً ومحموداً كما نقرأ في قصّة يوسف(عليه السلام)أنّ يعقوب(عليه السلام) أمر أولاده وقال: (يَا بَنِىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ)(1).
وذهب البعض إلى أنّ التحسّس بمعنى إستراق السمع بالنسبة لكلمات وأحاديث الآخرين، في حين أنّ التجسّس هو البحث والفحص العملي عن أسرار وعيوب الآخرين.
وممّا يلفت النظر أنّ النهي عن التجسّس في آية سورة الحجرات لم يتقيّد بقيد أو شرط، وهذا يدلّ على أنّ الأصل هو حرمة التجسّس بعنوان قاعدة عامّة، ولو رأينا أحياناً في الأحكام الإسلامية جواز التجسّس لأغراض خاصّة فإنّ ذلك من قبيل الاستثناء.
وقد كان الحكم بحرمة التجسّس وبالنظر لهذه الآية الشريفة إلى درجة من الوضوح في
1. سورة يوسف، الآية 87.


[ 311 ]

الذهنية المسلمة حتى أنّ المسلمين كانوا يستدلون بهذه الآية كدليل على حرمة التجسّس، فقد ورد في مصادر أهل السنة من قبيل كنز العمال نقلاً عن (ثور الكندي) حيث يقول: كان عمر بن الخطاب يعسّ في الليل في أزقة المدينة فسمع يوماً صوت رجل يغني في داخل بيته فما كان من عمر إلاّ أن تسلق الجدار فصاح به: يا عدو الله أحسبت أنّك ترتكب الذنب في خفاء وأنّ الله تعالى لا يراك؟
فقال له ذلك الرجل: لا تعجل يا أميرالمؤمنين، فلو ارتكبت ذنباً واحداً فقد ارتكبت أنت ثلاثة، فانّ الله تعالى يقول (وَلا تَجَسَّسُوا) وأنت قد تجسّست علينا، ويقول أيضاً: (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا)(1)، وأنت تسلقت الجدار، والله تعالى يقول: (لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا)(2)، وأنت دخلت البيت بلا اذن ولا سلام.
فما كان من عمرإلاّ أن أطرق أمام هذا الاستدلال المتين ثم قال له: إذا عفوت عنك فهل تترك ما أنت عليه؟ فقال: نعم، فتركه عمر وذهب(3).

التجسّس في الروايات الإسلامية:

إنّ مسألة التجسّس ذكرت في الروايات الإسلامية من موقع الذم والتقبيح بحيث أنّ القاريء لهذه الروايات يستنتج أهمية وشناعة هذا العمل والسلوك الأخلاقي الذميم، ومن ذلك:
1 ـ ما ورد عن رسول الله أنّه قال: «إِيّاكُم وَالظَّنَّ فَإنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا»(4).
2 ـ ونقرأ في حديث آخر عن النبي الأكرم أيضاً قوله: «لا تَحـاسَدُوا وَلا تَبـاغَضُوا وَلا
1. سورة البقرة، الآية 189.
2. سورة النور، الآية 27.
3. كنز العمال، ج3، ص808، ح 8827.
4. صحيح المسلم، ج4، ص1985، ح2563.


[ 312 ]

تَجَسَّسُوا وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَنـا جَشُوا وَكُونُوا عِبـادَ اللهِ إِخواناً»(1).
ويتّضح من هذا الحديث جيداً أنّ حال التجسّس كحال الحسد والحقد والكراهية فإنّه يتسبب في تباعد الناس وتمزّق أوصال المجتمع الإسلامي والتدهور والإرتباك في العلاقات الاجتماعية بين الناس.
وقد أورد الكليني في كتابه الكافي حديثاً عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «يـا مَعْشَرَ مَنْ أَسلَمَ بِلِسـانِهِ وَلَم يُسلِمْ بِقَلبِهِ لا تَتَبِّعُوا عَثَراتِ المُسلِمِينَ فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَثَراتِ المُسلِمِينَ تَتَبَّعُ اللهُ عَثرَتَهُ وَمَن تَتَبَّعُ اللهُ عَثرَتَهُ يَفْضَحْهُ»(2).
3 ـ وفي حديث عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «تَتَبَّعُ العَيُوبِ مِنْ أَقبَحِ العُيُوبِ وَشَرِّ السَّيِّئاتِ»(3).
4 ـ ونقرأ في حديث آخر عن هذا الإمام(عليه السلام) أنّه قال: «مَنْ بَحَثَ عَنْ أَسرارِ غَيرِهِ أَظهَرَ اللهُ أَسرارَهُ»(4).
5 ـ وجاء في حديث آخر عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) أيضاً قوله: «مَن تَتَبَّعَ خَفِيَّاتِ العُيُوبِ حَرَّمَهُ اللهُ مَوَدّاتِ القُلُوبِ»(5).
6 ـ وورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال لأحد أصحابه: «لا تُفَتَّشِ النّاسَ عَنْ أَديـانِهِم فَتَبقى بِلا صَدِيق»(6).
وهذا يدلّ على أنّ أغلب الناس لهم عيوب ونقائص في دائرة العقيدة أو العمل، فعندما تبقى مستورة وخفيّة، فإنّ ذلك من شأنه أن يوطّد العلاقات بين الأفراد ويتعامل الأفراد فيما بينهم من موقع المحبّة والود ويلتزمون بأصالة الصحّة والعدالة في الطرف الآخر، ولكن في غير هذه الصورة فانّ الإنسان يبقى بلا صديق.
1. صحيح المسلم، ج 4، ص 1985، ح 2563.
2. اصول الكافي، ج2، ص354، ح4.
3. غرر الحكم.
4. المصدر السابق.
5. المصدر السابق.
6. بحار الانوار، ج75، ص253، ح 109.


[ 313 ]

الآثار والعواقب السلبية للتجسّس:

إنّ البحث والتفحّص عن حال الآخرين لغرض الكشف عمّا خفي من معايبهم ونواقصهم له آثار سلبية كثيرة في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية.
لأنّه من جهة يؤدّي إلى نفور الناس وكراهيتهم لمن يتدخل في شؤونهم الخاصة ويتعدّى على أسرارهم ويهدف إلى الكشف عن اُمورهم الخاصة، فيرون مثل هذا الشخص معتدياً على حريمهم الخاص ولا يقيمون له احتراماً ولا يرون له شخصية وحيثية في نظرهم ويكرهون من يعيش هذه الحالة الذميمة بشدّة.
وقد قرأنا في الحديث السابق قول الإمام الصادق(عليه السلام) أنّ الشخص الذي يفتّش عن عيوب الناس يبقى بلا صديق، فيمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى.
ومن جهة اُخرى فإنّ أغلب الناس لديهم نقاط ضعف وعيوب في شخصيتهم وسلوكياتهم وأخلاقهم فهي لو أنّها بقيت مستورة وفي حيّز الكتمان، فإنّ ذلك من شأنه أن يدفع بعجلة التفاعل الاجتماعي بين الأفراد كما يرام، ولكن عند انتشار هذه العيوب ونقاط الضعف فإنّ ذلك من شأنه أن يتسبب في سوء الظن لدى الأفراد وانفصام علقة الاُخوة والصداقة والمحبّة بينهم.
ومن جهة ثالثة فانّ التجسّس والتفتيش عن عقائد الآخرين وأسرارهم وعيوبهم يتسبب في تعميق حالة الكراهية والحقد والعداوة بين أفراد المجتمع وأحياناً يؤدّي إلى النزاع الدموي الشديد بينهم.
فإذا أردنا أن يعيش المجتمع السلامة والاطمئنان والاستقرار فينبغي الحذر والابتعاد عن هذا السلوك السلبي.
ومن جهة رابعة فإنّ أكثر الناس يتحرّكون في مقابل هذا العمل من موقع المقابلة بالمثل، أي يسعون إلى التجسّس والفحص عن عيوب الشخص الفضولي والمتجسّس على أحوالهم ويكشفونها إلى الملأ، ولعل هذا الحديث الشريف ناظر إلى هذا المعنى وهو قوله: «مَنْ بَحَثَ
[ 314 ]

عَنْ أَسرارِ غَيرِهِ أَظهَرَ اللهُ أَسرارَهُ»(1).
ونقرأ في حديث آخر قوله(عليه السلام): «مَنْ كَشَفَ حَجـابَ أَخِيهِ إِنكَشَفَتْ عَورَاتُ بَيتِه»(2)، وهو قد يكون إشارة إلى هذا المعنى بالذات، أو إشارة للأثر الوضعي ونتائج هذا العمل في الدنيا.
ونقرأ كذلك في حديث آخر عن هذا الإمام(عليه السلام) قوله: «مَنْ تَطَّلَعَ عَلى أَسرارِ جـارِهِ إِنتُهِكَتْ أَستـارُهُ»(3).
أمّا الدوافع على هذه الرذيلة الأخلاقية وهي التجسّس والتفتيش في أسرار الناس وأحوالهم الخاصة فكثيرة، ومن ذلك:
1 ـ سوء الظن بالآخرين الذي يقود الإنسان غالباً إلى التجسّس عن أحوالهم، فلو أنّه استبدله بحسن الظن فإنّه لا يفكّر عند ذاك بالتفتيش عن عيوب الآخرين، ولهذا السبب كما أشرنا سابقاً أنّ الآية 12 من سورة الحجرات تنهى عن التجسّس بعد النهي عن سوء الظن.
2 ـ التلوّث بالذنوب والعيوب المختلفة والذي يعدّ عاملاً آخر يدفع صاحبه نحو التجسّس على الا خرين، لأنّ الشخص الملّوث بالذنوب والغارق في العيوب يريد أن يرى جميع الناس مثله، وبذلك سوف ينطلق من موقع جبران عيوبه وخلق أجواء كاذبة له من الهدوء النفسي وتسكين حالة التوتر التي تفرضها عليه عيوبه الكثيرة فيقول في نفسه بأنني إذا كنت ملّوثاً فسائر الناس كذلك.
ونقرأ في الحديث الشريف عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «شَرُّ النّاسِ الظّانّون وشَرُّ الظّانّين المُتَجَسِّسُونَ»(4).
وأحد العوامل الاُخرى للتجسّس هي حالات الحسد والحقد والعداوة والتكبّر والعجب في واقع الإنسان الناقص حيث تدفعه هذه العناصر الشريرة إلى التفتيش عن عيوب الآخرين واستخدامها كأداة لتسقيطهم وهتك حيثيّتهم لغرض إرضاء الميل إلى التفوّق
1. غرر الحكم.
2. المصدر السابق.
3. المصدر السابق.
4. مستدرك الوسائل، ج9، ص147، الباب 141، ح15 الطبعة الجديدة.


[ 315 ]

ورؤية الأنا متعالية على الآخرين.
4 ـ ومن العوامل الاُخرى لهذه الرذيلة هو ضعف الإيمان أيضاً، لأنّ الإنسان الذي يعيش ضعف الإيمان بالله تعالى لا يلتزم باحترام إيمان الآخرين وشخصيتهم الاجتماعية، ولذلك يتدخّل بأدنى حجّة في اُمورهم الخاصة وحريم حياتهم الخصوصية ولا يرى بأساً في الكشف عن مثالبهم وهتك حرمتهم وإراقة ماء وجوههم، كما قرأنا في الأحاديث السابقة عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) بأنّ مثل هؤلاء الأشخاص هو من قبيل: «يـا مَعْشَرَ مَنْ آمَن بِلِسـانِهِ وَلَم يَدخُلِ الإيمانَ فِي قَلبِهِ».

استثناءات:

هنا يطرح سؤال وهو: هل أنّ التجسّس يعدّ عاملاً منافياً للأخلاق والشرع في جميع الموارد، أو هناك بعض الاستثناءات التي تخرجه عن دائرة الحرمة الشرعية؟ فإنّ جميع الدول والحكومات في العالم سواءً الإسلامية وغير الإسلامية لديها أجهزة أمنيّة خاصة تعمل في دائرة التجسّس والفحص عن أسرار الناس وحالاتهم وتتدخل في اُمورهم وتسعى إلى الكشف عن أسرارهم، وهناك موارد اُخرى لا يكون التجسس في اُمور الناس ممنوعاً في نظر عقلاء العالم، بل قد يكون لازماً وضرورياً.
وفي مقام الجواب عن هذا السؤال يجب القول إنّ هذا الأصل العام في مسألة حرمة التجسّس وقبحه في دائرة القيم الأخلاقية له بعض الموارد الاستثنائية كما هو الحال في الاُصول العامة الاُخرى، ومن ذلك:

1 ـ الأجهزة الأمنيّة

إنّ كل حكومة ودولة تجد نفسها موظفة بحماية شعبها من شر مؤامرات الأعداء في الداخل والخارج وتستخدم الحذر من جواسيس الأعداء، ولا شك أنّ المسؤولين في هذه الحكومات إذا أرادوا أن يواجهوا الأحداث والوقائع من موقع حسن الظن والحمل على
[ 316 ]

الصحة، فإنّ ذلك من شأنه أن يورطّهم في العواقب الوخيمة لمؤامرات الاعداء من المنافقين في الداخل ومن تربّص بهم الدوائر في الخارج، لأنّ مؤامراتهم سريّة جدّاً ويتحرّكون بمنتهى الحذر والتستر بظواهر طبيعية وأقنعة جميلة ولا يتسنى للمسؤولين التعرّف على حالهم إلاّ من خلال التفتيش الدقيق والتجسّس المستمر لكشف مؤامرات هؤلاء الأعداء وابطال مفعولها.
ففي مثل هذه الموارد يجب اجتناب حسن الظن والابتعاد عن الحمل على الظاهر الحسن، بل ينبغي النظر إلى كل ظاهرة اجتماعية وسياسية من موقع سوء الظن لحفظ الأهداف الكبيرة والأغراض المتعالية للمصالح العامة للاُمّة الإسلامية وبذلك تتّضح الحكمة من تشكيل الأجهزة الأمنيّة والتجسسية في الداخل والخارج، وبعبارة اُخرى: إنّ هذا الاستثناء ينبع من قانون الأهم والمهم، فما أكثر الأفراد الذين يقعون مورد سوء الظن وبالتالي تتحرّك الأجهزة الأمنيّة للتفتيش عن أحوالهم الخاصة فيثبت برائتهم وسلامتهم من أي عمل شائن، ولكن من البديهي أنّه ولغرض العثور على المجرم الواقعي وعملاء الأعداء في الداخل فلا مفرّ من مزاولة البحث والفحص الواسع في جميع الموارد المحتملة للوصول إلى نتيجة حاسمة.
وقد يلزم أحياناً أن تبعث الحكومة ببعض الجواسيس وبظواهر مختلفة وسط الأعداء أو إدخال بعض عناصر الأمن كموظفين في المؤسسات المهمّة التي تعمل في الداخل على شكل عامل أو موظف وأمثال ذلك كيما يتسنى لها الكشف عن بذور الفتنة واحباط أيّة مؤامرة قبل تشكلها واشتدادها، وبالتالي تعرّض الاُمّة مصالحها للخطر.
وبالطبع فإنّ هذا لا يعني أنّه يمكن إتّخاذ هذا الاُسلوب ذريعة للتدخل في الحياة الخصوصية لجميع أفراد المجتمع وإذاعة أسرارهم وكشف مساوئهم التي لا ترتبط اطلاقاً بمصالح الاُمّة وأهدافها البعيدة رغم أننا نرى مع الأسف الكثير من التخلفات التي تجري في إطار هذا الأصل العقلائي فيساء استخدامه في كثير من الأحيان، ونظراً إلى أنّ الجواز في عملية التجسّس يعتبر حكماً استثنائياً من الأصل العام فلابدّ من مراعاة هذه الموارد بدقّة
[ 317 ]

والنظر إلى فلسفة هذا الحكم بالذات كيما نتجنّب الافراط في بعض الممارسات التي تدخل تحت هذا العنوان.
ونقرأ في آيات القرآن الكريم وسيرة النبي الأكرم والروايات الإسلامية إشارات واضحة إلى هذه المسألة المهمّة.
فيقول القرآن الكريم في الآية 47 من سورة التوبة بصراحة أنّ من بين المسلمين أشخاصاً يمثّلون عملاء العدو وجواسيسه، وعلى المسلمين أن يحذروا منهم حيث تقول الآية: (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ).
ومن هذا القبيل ما ورد في قصّة المرأة التي أرسلها بعض المنافقين لتوصل أخبار المدينة إلى المشركين في مكّة قبيل الفتح وأنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) قد جهّز جيوشاً كبيرة للهجوم على مكّة حيث أرسل رسول الله(صلى الله عليه وآله) الإمام علي(عليه السلام)ورائها فوجدها في الطريق وهددها لتسلّم الرسالة، فاضطرت أخيراً إلى الاعتراف وتسليم هذه الرسالة إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)(1)، وكذلك قصّة تجسّس حذيفة في معركة الأحزاب لصالح المسلمين ونفوذه إلى قلب جيش الأعداء لتفحّص الأخبار ونقلها إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)(2).
ويستفاد من آيات القرآن الكريم أنّ هذه المسألة كانت موجودة أيضاً في عصر الانبياء السابقين، وأحياناً تتخذ صبغة إعجازية كما في قصّة النبي سليمان(عليه السلام)عندما استخدم الهدهد ليوصل إليه أخبار المناطق البعيدة.
ونقرأ في الحديث الشريف عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) أنّه قال: «كـانَ رَسُولُ اللهِ إِذا بَعَثَ جَيشَاً فَاتَّهم أَمِيراً بَعَثَ مَعَهُم مِنْ ثِقـاتِهِ مَنْ يَتَجَسَّسُ لَهُ خَبَرَهُ»(3).
ونقرأ في نهج البلاغة في الكتاب 33 قول الإمام علي أميرالمؤمنين(عليه السلام) لقُشم بن عباس أمير مكّة: «أَمّا بَعدُ فَإنَّ عَينِي بِالمَغرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ يُعلِمُنِي إِنَّهُ وُجِّهَ إِلَى المَوسِمِ مِنْ أَهلِ الشَّامِ العَمي القُلُوبِ... الَّذِينَ يَلبِسُونَ الحَقَّ بِالبـاطِلِ وَيُطِيعُونَ المَخلُوقَ فِي مَعصِيةِ الخَـالِقِ...
1. راجع نفحات القرآن، ج10
2. راجع نفحات القرآن، ج 10.
3. وسائل الشيعة، 11، 44، ح4.


[ 318 ]

فَأَقِمْ عَلى مـا فِي يَدَيكَ قِيـامَ الحَازِمِ الصَّلبِ».
وفي حديث آخر عن أنس بن مالك عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه أرسل شخصاً يدعى (بسبسه)(1) من أصحابه للتجسّس على أحوال قافلة أبي سفيان وإخبار النبي بأخبارها(2).
ونقرأ إشارة واضحة إلى هذا المطلب في عهد مالك الأشتر حيث يأمره أميرالمؤمنين(عليه السلام)أن يجعل العيون والجواسيس على موظفيه وعمّاله كيما يراقب أعمالهم عن كثب من حيث لا يشعرون فيقول: «ثُمَّ تَفَّقَد أَعمـالَهُم وابعَثْ العُيُوَنَ مِنْ أَهلِ الصِّدقِ وَالوَفـاءِ عَليهِم، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لاُمُورِهِم حَدوَةٌ لَهُمُ عَلى إِستِعمـالِ الأَمـانَةِ والرِّفقِ بِالرَّعِيَّةِ»(3).
وجاء في الحديث المعروف عن الإمام الحسين(عليه السلام) في مسألة بقاء محمد بن الحنفية في المدينة أنّه عندما عزم الإمام الحسين(عليه السلام) على التحرّك من المدينة باتجاه مكّة ومنها إلى كربلاء أراد أخوه محمد بن الحنفية أن يصطحبه في هذا السفر فقال له الإمام(عليه السلام): «أَمَّا أَنتَ فَلا، عَلَيكَ أَنْ تُقِيمُ بِالمَدِينَةِ وَتَكُونَ لِي عَيناً لا تَخفِ عَنِّي شيئاً مِنْ اُمورِهِم»(4).

2 ـ منظمات التفتيش والتحقيق

هناك الكثير من المنظمات في جميع الأدارات والمؤسسات المهمّة في هذا العصر باسم منظمات الفحص والتحقيق والتي تعمل لغرض إعمال النظر على عمل الموظّفين والعمّال والتصدّي لعمليات الاسراف والخلاف وضبط الاُمور واستطلاع الأحوال في مفاصل هذه الدوائر والمؤسّسات.
وبديهي أنّ عملهم ليس هو التجسّس على الاُمور الخاصة والأحوال الشخصية للعمّال والموظّفين في هذه المؤسّسات والدوائر، بل عملهم يهدف إلى النظارة على الاُمور المتعلّقة بأداء العمل والوظيفة الاجتماعية ورعاية مصالح الاُمّة، فلو أنّه تمّ الاستغناء عن هذه
1. نقل في بعض الكتب (بَسْبَسْ) أو بسبس بن عمرو (سيرة ابن هشام، ج2، ص265).
2. سنن أبي داود، ح2618.
3. نهج البلاغة، الرسالة 53.
4. حياة الحسين(عليه السلام)، ج2، ص263.


[ 319 ]

المنظمات الاستخباراتية وتعطيل أعمالها فيمكن أن يستشري الفساد والخلل في مؤسّسات المجتمع الكبيرة وإداراته المهمّة.
ومن الواضح أنّ هذه المسألة لا تختص بزمان ومكان معيّن بل كانت موجودة منذ قديم الأيّام وفي مناطق مختلفة من العالم.



 توقيع : المعارف



رد مع اقتباس
 


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




Loading...


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
سعودي كول