![]() |
#5 |
عضو مميز
![]() |
![]() 76- خير موسم!.. أن المؤمن طموح، وهذا الطموح يتمثل في العمل من أجل جعل الموسم الذي هو فيه، خير موسم مر عليه، فيكون شعاره -سواءً كان موسم الحج، أو موسم شهر رمضان المبارك، أو شهر محرم، أو زيارة الحسين (ع) في كربلاء- دائما وأبدا: اللهم اجعله خير موسم مرّ عليَّ إلى الآن!.. هذا الطموح يجب أن يكون في قلب كل مؤمن، لذا عليه أن يكثر من الدعاء في أن يجعل الله –عز وجل- موسمه هذا موسماً متميزاً. 77- كلام غير مقبول!.. نعم، هذا الموجود الخبير من الممكن أن يستغل البكاء على سيد الشهداء، ويسول للبعض ليعولوا على روايات البكاء، كما في قول إمامنا الرضا (ع): (فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام)، بأن يقول: أنه يا لها من فرصة جيدة!.. ليحرق بالبكاء على سيد الشهداء كل ما كسبه من المعاصي طوال العام، وليجعل همته إلى انتهاء العشرة أو إلى بعد الشهرين، ثم يرجع إلى ما كان عليه لينتظر محرم القادم، ليتطهر من جديد!.. أهذا كلام يقبله الله ورسوله؟!.. أهذا منطق أمير المؤمنين وأئمة أهل البيت (ع)؟.. أن يجعل الإنسان فترة مصالحة مع الله عز وجل، ليريح بها ضميره، ويسكن بها هذا العتاب الباطني!.. إن هذا كلام لا يمكن أن يُقبل. 78- الالتحاق بالركب الحسيني!.. إن الغرض من حضور المجالس المباركة المقامة لعزاء سيد الشهداء (ع)، هو أن يخرج الإنسان بثمرة، وإلا فإن الآثار من الأجر والمغفرة وغير ذلك مترتبة بلا شك، وهذه الثمرة هي أن نحاول أن نكون في زمرة الحسين (ع).. وقد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، أن نكون تحت لوائه (ع) يوم القيامة.. ولكن ذلك مترتب على أن نكون تحت لوائه في الدنيا أيضا.. بمعنى أن نكون على خطه، وأن نكون في زمرة أصحابه.. فالالتحاق بأصحاب الحسين (ع) بابه لا زال مفتوحاً، وما أغلق في يوم عاشوراء.. وأصحاب الحسين (ع) متعددون في كل عصر وفي كل طبقة، فإن كانت الطبقة الأولى في يوم عاشوراء، ففي كل عصر وفي كل قرن هنالك أصحاب للحسين (ع).. لماذا لا نلتحق بهذه الجامعة؟.. لماذا لا نلتحق بهذا الركب الحسيني؟.. وهذه المسيرة بدأت وتستمر ولن تتوقف، إلا عندما تعطي هذه الثورة ثمارها الكاملة، وهذه الثمار لا تؤتى إلا مع ظهور ولده المهدي (عج). 79- ظلامة الحسين (ع)!.. إن من موارد ظلامة الحسين (ع) -غير ذلك الظلم الذي وقع على بدنه الشريف، وعلى خيامه، وعلى عائلته- هو ظلمه من قبل شيعته ومحبيه، بعدم معرفتهم إياه حق المعرفة.. هذه المعرفة المتجلية من خلال مناجاته مع الله –عز وجل- في يوم عرفة.. ولو تأمل الإنسان في مضامين دعاء عرفة، ليعرف أن الذي قتل في يوم عاشوراء، هو هذا الولي الذي كان يتكلم مع الله –عز وجل- بمناجاة قل نظيرها في مناجاة الداعين. 80- تحقيق الهدف!.. إن الإمام (ع) في دعاء عرفة يقول: (أَسأَلُكَ اللّهُمَّ حاجَتِي!.. الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَنِي، وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي ما أَعْطَيْتَنِي).. فهو (ع) يريد أن يفهمنا أن هنالك مستوى من التكامل لابد أن نسعى إليه، وإذا لم نصل إلى هذه الدرجة فقد فشلنا في حركة الحياة.. إن لكل إنسان هدفا وهما يحمله في حركته الدائبة في هذا الوجود، وهنا سيد الشهداء (ع) يوجهنا إلى أن نبحث عن هذه الحاجة، وهو لم يسميها في دعاء عرفة، بل جعلها مبهمة؛ حتى نفكر نحن في المصداق.. فما هي هذه الحاجة، التي إن وصلنا إليها ، فقد حققنا هدف الوجود؟.. 81- العبودية الانسيابية!.. إن الحاجة التي يريد الإمام الحسين (ع) أن يوجهنا إليها، هي أن يصل الإنسان إلى مستوى العبودية الانسيابية.. إن كل ما في هذا الوجود يسبح بحمد الله عز وجل، ومنزه لله عز وجل.. فالنحلة –مثلاً- من المستحيل أن تعمل خلاف ما أوحى الله عز وجل إليها: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}.. وكذلك الإنسان فهو ببدنه عابدٌ لله -عز وجل- تكويناً، إذ كل أعضائه تجري في ذلك الاتجاه الذي رسمه الله تعالى.. فإذن، هذه عبودية تكوينية. وهنالك عبودية ثانية، هي عبودية تشريعية.. بمعنى أن الإنسان عبد مطيع لله -عز وجل- بالإرادة.. ولكن قد تكون هذه العبودية خوفاً من العقاب، أو رجاءً في الثواب.. أي خلاف لمقتضى ميل الإنسان، فهو يطيع الله -عز وجل- على مضض بدون أي انسجام أو عاطفة.. إذ أن هناك فرقا بين امتثال الموظف لأوامر المدير، وبين امتثال الزوجة لأوامر لزوجها؛ فكلاهما امتثال، ولكن الثاني محفوف بهالة من المحبة والرغبة.. بينما المطلوب أن يصل الإنسان إلى هذه العبودية الثالثة: لا طمعاً ولا خوفاً، وإنما أن يرى أن هذه العبودية ثمرة الوجود، ولا يمن على الله -عز وجل- بذلك، وإنما هو عبد مخلوق، خلق لمهمة، وهو منسجم مع هذه المهمة التي أرادها الله عز وجل. 82- الفرصة الذهبية!.. إن هنالك تفضلا إلهيا في هذه المواسم المباركة، وهناك تصرف في القلوب.. وإلا فلو نظر الإنسان إلى نفسه، فإنه لا يرى ذلك الاستحقاق أبداً.. ولهذا فمن المناسب استثمار حالة الإقبال بعد ختام المجلس، بأن تحول دموع الولاء إلى دموع المناجاة مع رب الأرباب، فإنه من صور الخسران أن لا يستثمر الإنسان الحسيني، هذه الرقة في مصالحة مع رب العالمين، وإنها لفرصة ذهبية أن يتحول إلى إنسان مناج ربه –عز وجل- بعد ختام المجلس. 83- الانكسار الباطني!.. إن من السمات الغالبة هذه الأيام والليالي؛ هي البكاء.. وعندما نقول: البكاء؛ فإننا نعني به التفاعل القلبي، وليس الدمع المجرد.. إذ أنه فرق بين الدموع، وبين حرقة الفؤاد.. فقد تكون هنالك حرقة، ولا تكون هنالك دمعة، والمهم هو أن يعيش الإنسان حالة من حالات الانكسار الباطني.. إن هذا البكاء هو مناخ مناسب، لأمر ما وراء البكاء والعاطفة. 84- البلوغ الفكري!.. إن الإنسان كلما زاد معرفةً، ووصل إلى البلوغ الفكري، كلما زاد تفاعله.. لأن عدم التفاعل بمصائب أهل البيت، هو بسبب جهلنا بمنزلتهم.. ولهذا يقال: إنَّ الإنسان إذا قرأ دورة من حياة الحسين الشهيد -عليه السلام- أو أحد ذريته، وكلما زاد اطلاعاً على تاريخهم، وعلى سيرتهم، وعلى حسن مكارم أخلاقهم؛ كلما زاد تفاعله، عندما يستمع إلى شيء من مصائبهم صلوات الله وسلامه عليهم. 85- الإتباع!.. إن الإنسان عليه أن يعدّي آثار عاشوراء من عالم العاطفة إلى عالم الفكر.. فالعمل، والهتافات، والمواكب، والبكاء، واللطم على الصدور؛ كل ذلك يصب في دائرة واحدة ألا وهي العاطفة، وإبراز المحبة.. ولكن هنالك حقولا أخرى في المقام، فقد قال الله –تعالى- في كتابه الحكيم: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.. ولم يقل: إن كنتم تحبون الله، يحببكم الله.. إذ أن بين (تحبون الله) و(بين يحببكم الله) هنالك الإتباع. والإتباع له مظاهر في حياة الإنسان، فمن مظاهر الإتباع ترجمة هذه التبعية في مقام العمل.. فثمرة عاشوراء وثمرة إحياء ذكر الحسين (ع) هي الصلاة، لأن علاقتنا بالله -عز وجل- منحصرة في هذه الصلوات اليومية.. حيث أن معظم العبادات الأخرى موسمية، بينما الحركة التي نمارسها يومياً، كقالب وكشكل هي الصلاة.. فالإنسان المؤمن يستخسر أن لا ينفخ الروح في هذا الأمر الموجود. 86- خصوصية التربة الحسينية!.. إن السجود على التربة الحسينية: هذه التربة قبل يوم عاشوراء، لم تكن فيها قداسة؛ لأنها لم تُضمّخ بدم الحسين عليه السلام.. نقول في الزيارة: طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم!.. إن الذي يستنكر مبدأ التشرف، ومبدأ المباركة، والذين ينكرون أن تربة الحسين لا خصوصية فيها.. كيف يفسرون السكينة والطمأنينة التي وضعت في تابوت موسى {يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}.. هذا التابوت لم يُدفن فيه موسى، وإنما كان طفلاً صغيراً رضيعاً وضع في التابوت، وأُلقي في اليم بأمر الله عز وجل، فهي خشبة لامست بدن موسى وهو طفل، ولم يكن نبياً ولا شهيدا، وإذا القرآن الكريم يقول: {يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}؛ كرامةً لهذا البدن الذي لامسه.. ويعقوب (عليه السلام) {..ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}، فلا أمل في عودة عينيه، فهو لم يصب بالرمد ليشفى من ذلك، ولكن العين فقدت القابلية، وإذا بقميص يوسف (ع) يلقى على وجه أبيه فيرتد بصيراً.. هذا القميص من القطن أو الكتان لا خصوصية فيه، ولكن لامس جسد نبي من أنبياء الله عز وجل. 87- التمحيص!.. إن الإنسان المؤمن لا يبلغ الدرجات الكمالية إلا بالتمحيص، فالإنسان الذي لا يتحمل أي بلية في حياته، لا يصل إلى درجة.. الدنيا دار ابتلاء -الناس يطلبون الراحة في الدنيا، وقد جعلتها في الآخرة- الحسين -عليه السلام- كانت لديه منزلة عند الله، لا يبلغها إلا بالشهادة.. وزينب -عليها السلام- عالمة غير معلمّة، ولكن لها منزلة عند الله لم تبلغها إلا بالسبي.. وكذلك العباس -عليه السلام- له منزلة، يقول الإمام الصادق (ع): (إن لعمي العباس بن علي منزلة، يغبطها عليه جميع الشهداء يوم القيامة). 88- الجمال الإلهي!.. إن الذين يستذوقون هذا الجمال الإلهي، هؤلاء لا يقر لهم قرار، فليلهم غير ليل الآخرين، ونهارهم نهار متميز.. بالليل صافون أقدامهم، وبالنهار حكماء علماء كالجبل الراسخ، لا تزعزعه العواصف، عَظُم الخالق في أنفسهم؛ فصغر ما دونه في أعينهم.. وأصحاب الحسين -عليه السلام- يوم عاشوراء تجلى في صدورهم الحب الإلهي، فزهدوا حتى في الجنة.. إن هؤلاء وصلوا إلى هذه الدرجات، بعملهم المسبق. 89- المثلث المبارك!.. إن ظاهر أيام محرم ظاهر ولائي، ولكن باطنه باطن توحيدي.. فالإنسان في هذه الليالي والأيام، قد يعيش مشاعر عاطفية تجاه أهل البيت، ولكن هناك قاعدة تقول: أنه لا اثنينية أبداً بين الطريق الإلهي، وبين طريق النبي وأهل البيت.. فذكرنا ذكر الله، وبتعبير آخر: هما وجهان لعملة واحدة.. أي أننا تارةً نصل إلى الله -عز وجل- عن طريق الولاية، وتارة نتعرف على الولاية من خلال التوحيد.. كما أن الله -عز وجل- ما عرفه حق المعرفة إلا النبي وعلي، ولم يعرف النبي إلا الله وعلي، ولم يعرف عليا إلا الله ورسوله.. وبالتالي، فإن هذا المثلث المبارك -التوحيد، والنبوة، والإمامة- كل ما فيه يعضد بعضه بعضا. 90- النهاية السعيدة!.. إن الحسين (ع) ختم حياته بالشهادة بل بالسعادة، والذي ميز أصحاب الحسين (ع) هي هذه اللحظات الأخيرة.. وإلا فإن الحر إلى ليلة العاشر، بل إلى يوم العاشر، كان عمره في الطاعة قصيرا، ولكن الفخر كل الفخر أنه ختم الحياة بنهاية سعيدة.. إن المؤمن عليه أن يسأل الله -تعالى- في ساعة الخلوات، أن يجعل ساعة قبض روحه وهو في أحسن حالة. 91- فلسفة الموت!.. إن أصحاب الحسين (ع) فهموا فلسفة الموت، وفهموا فلسفة الحياة.. فجعلوا الساعة الأخيرة من حياتهم، مساوية لأفضل حالة هم عليها.. إن الموت السعيد أو الموتة الحميدة، غير مبتورة الصلة بعمل الإنسان في اليوم الأول من البلوغ.. فاليوم الأول بعد تمام التاسعة للبنت، واليوم الأول بعد إكمال الخامسة عشر للصبي؛ مرتبط بساعة الاحتضار.. نعم، إن القضايا مرتبطة بعضها ببعض، إن ذكر الموت ليس عبارة عن ذكر للفواتح.. فنحن نحتاج إلى ذكر الموت والبرزخ في حركة حياتنا. 92- الجمع بين العالمين!.. إن الحسين (ع) في يوم عاشوراء كان على بدنه أثران: أثر يبكي، وأثر يفرح.. الأثر الذي يبكي آثار السنان والرماح، والأثر الثاني آثار الجراب على بدنه الطاهر، حيث كان يتفقد الفقراء في المدينة.. هذا سلوك أهل البيت (ع): الجمع بين الانشغال بالله عز وجل، في سفرة، أو في تألق روحي.. وفي التنزل إلى مستوى عامة الناس، قضاءً الحاجة، وأمراً بمعروف، ونهياً عن منكر. يتبع |
![]() |
|
|
|