|
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
الخاتمة
أختم أوراقي بِبَعْضِ مَا تفضَّل اللهُ به - مِن نَظْمٍ - عَلَيَّ أَنَا راجِي الحَضْرَتَيْن (الحَضْرَة النَّبَوِيَّة وحَضْرَة البَقِيع): * القصيدة العَلَوِيَّة: أَشَرْتُ إلى خمسَ عشرةَ دلالَة - مِمِّا لا يُحْصَى مِن الدلالات- على أفضلية وأحقية أمير المؤمنين عليٍّ بمَنْصِب الخلافة الإلهية بعد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله .. سأرقِّم أماكنَ الإشارات في الأبيات ، ثم سأذكر هذه الأدلة بعد الفراغ مِن القصيدة إن شاء الله تعالى: شـادِنٌ يَسْكُـنُ فيْحـاءَ .. يُجَـلِّيها النَّظَـرْ نَجْمُهُ قدْ جَالَ في العَلْيَا فأَصْـفَى مِنْ كَدَرْ سِرُّهُ قـدْ كُنَّ فِيـهِ مُنْـذُ آذانِ الصِّغَــرْ حُبُّـهُ قـدْ خُطَّ في القَلْبِ زَمـانَ الأزَلِ فَـوَلِيُّ اللهِ (1)دَاعِيــهِ إِلَــهُ العالَمِــينْ بَعْدَ أنْ جَادَ بمَا يَلْبَـسُ في كَفِّ اليَمِيـنْ وَنَـوَى اللهَ بمَـا أنْفـقَ كَسْبـاً لِلحَنِيــنْ مَنْ تَـوَلاهُ نَجَا رَغْـمَ قُصُـورِ العَمَلِ صَــادِقٌ (2) مَتْبُـوعُ في كُلِّ فِعـالٍ وَعَمَلْ وَفِدَاهُ ذَاقَ(3)ذاكَ الرِّجْـسُ ما كـانَ سَألْ شَاهِـدٌ (4) يَتْلُـو رَسُـولَ اللهِ لا يَأْلُو الوَجَلْ طاهِرٌ(5)،هَادٍ(6)سَبِيلَ الرُّشْدِ،نَفْسُ(7)الرُّسُلِ وَهْوَ(8)حَبْلُ اللهِ مَمْدُودٌ،وَعِلْمُ (9)الكُتْبِ حَاوِي خَيْرُهُمْ(10)طُرًّا،وَهَلْ(11)يَنْجُو حَقُودٌ له قَالِي قُرْبُهُ (12)قَدْ أَوْجَبَ الحُـبَّ لَهُ مِنْ كُلِّ نَاوِي أُذُنٌ (13) وَاعِيَـةٌ تَصْـغَى إلى كُـلِّ عَـلِي قَدْ شَرَى (14) نَفْسَـهُ لِلهِ فِــدَاءً لِلرَّسُـولْ حَيْثُ بَاتَ اللَّيْلَ لا يَخْشَى رِجالاً أوْ نُصُولْ وَهْوَ مَنْ أُنْزِلَ فِيهِ: (هَلْ أَتَى) (15)حَتَّى البَتُولْ مَعَ سِبْـطَيْنِ كَـرِيمَيْنِ . كَفاكُمْ عَـذَلِي *لَوْ جَعَلْـتُ البَحْرَ حِبْـراً وَالأقالِيـمَ وَرَقْ وَاسْتَعَنْـتُ الخَلْقَ طُرّاً لِيُوَفُّـوا لَهُ حَـق وَأَعَدْتُ الكَرَّ عَـدّاً ضُعُفاً ، أبْغِـي السَّبَـقْ مَا أَتَيْـتُ العُشْرَ مِنْ فَضْـلٍ لِهـذا الرَّجلِ ذا عَلِيٌّ..ذا عَلِيٌّ..ذا عَلِي (1) إشارةً إلى قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومَن يتول اللهَ ورسولَهُ والذين آمنوا فإنَّ حزب الله هم الغالبون}سورة المائدة (55،56).(2) إشارة إلى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنــوا اتقـوا الله وكـونوا مع الصادقين}سورة التوبة (119). (3) إشارة إلى قوله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليـس له دافع}سورة المعارج (2،1). (4) إشارة إلى قوله تعالى: {أفمـَن كان على بيِّنة من ربه ويتلوه شاهِدٌ منه}سورة هود (17). (5) إشارة إلى قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهـل البيت ويطهركم تطهيراً}سورة الأحزاب (33). (6) إشارة إلى قوله تعالى: {إنما أنت مُنذِرٌ ولِكلِّ قوْمٍ هَادٍ}سورة الرعد (7). (7) إشارة إلى قوله تعالى: {فمَن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعـل لعنة الله على الكاذبين}سورة آل عمران (61). (8) إشارة إلى قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}سورة آل عمران (103). (9) إشارة إلى قوله تعالى: {قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومَـن عنده علم الكتاب}سورة الرعد (43). (10) إشارة إلى قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريَّة}سورة البينة (7). (11) إشارة إلى قوله تعالى: {وقفوهم إنهم مسؤولون}سورة الصافات (24). (12) إشارة إلى قوله تعالى: {قُل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}سورة الشورى (23). (13) إشارة إلى قوله تعالى: {وتعيها أذن واعية} سورة الحاقة(12). (14) إشارة إلى قوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}سورة البقرة (207). (15) وهي سورة الإنسان التي نزلت في الأربعة الأطهار(علي وفاطمة والحسن والحسين) عليهم الصلاة والسلام أجمعين في قصة التَّصَدُّق على المسكين واليتيم والأسير، وهي معروفة في كتب التفاسير. * إشارة إلى ما رواه أخطبُ خوارزم مِن علماء العامَّة بإسناده إلى ابن عباس رضوان الله عليه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [لَوْ أنَّ الرِّياضَ أقلامٌ والبَحْرَ مِدادٌ والجِنَّ حُسَّابٌ والإنْسَ كُتَّابٌ ما أحْصَوا فضائلَ علي ابن أبي طالب]. * نُورُ الأَنْجُم: عَصَمَ اللهُ لنـا مِـنْ هاشـمٍ خمْسـةً ، يَنْبُـو لديهم كَلِمِي وَتَلتْهُـمْ تِسْعَــةٌ بعدهـمُ مَـا لهُمْ مِـثْلٌ بفِكْـرٍ أو دَمِ فرسولُ الله طَــهَ أحمــدُ حاطِمُ الشِّرْكِ ، طَبِيبُ السَّقمِ ثم يَـأْتي بعْـده حيــدرةٌ ثمَّ زهــراءُ بَتُـولُ الأُمَـمِ فكريمُ البيتِ مَـنْ لِصُلحِـهِ مَعَ سُفيـانَ تَمَـامُ السَّلَـمِ فشَهِيدُ الحـقِّ مَـن بسَيْـفِه ظَـلَّ لِلإسـلام أعلى شَمَمِ ثم يَجْلُـو زيْنُهـم سادِسُهـم مذهبَ الشَّـكِّ وزيْغَ الظُّلَمِ ويُنَمِّـي في الجَـلاءِ بــاقِرٌ يُسْفِـرُ الحْـقَّ بِنُور الأنجُمِ يَبْسُطُ العِلـمَ إمَـامٌ صـادقٌ يـرتوي مِـن نهْلِه كلُّ فـمِ ثم موسـى بعـده بكَظمِــه غَيْظـه أسْفـرَ وَجْهُ الحُلُـمِ وعَــلِيٌّ لِلرِّضـا مَصْـدرُهُ قد دَعَا – حقّاً – لِزَيْنِ الشِّيَمِ وجَـوادٌ يَــدُهُ مَبْسُوطـةٌ يَـرْتُقُ الفتْـقَ ببـرِّ الكَـرَمِ ثم هَـادِ النَّـاس مِن كُلِّ ضـلالٍ وَمُرَبِّيهِمْ على كُلِّ سَمِـي الـذي أتْقـنَ حِفْـظَ الدِّيــن والمذهَـبِ مِـن مُسْتَعْـدِمِ ثـم يَأْتِـي حَسَنٌ زَكِيُّهُـمْ حَفِـظَ الدِّيـنَ بحِفْظِ العَلَمِ قـائمِ المَعْـدَنِ ذاكَ المُرْتَجَـى وَسَمِيِّ المُصطفـى خَيْرِ سَمِي * اللِّوَاءُ لِوَائي: تجرَّأتُ - وأستغفر الله تعالى - وكتبتُ هذه الأبياتَ على لِسان أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب صلوات الله عليه مُصَوِّراً إيّاه يتحدَّث عن نفسه مُشيراً إلى ما جمعه السيد الرضي -قده- مِن كلماته وخطبه والموسومة بـ (نهج البلاغة) ، فأقول راجياً منه الشفاعة: * المُنْقِذُ صلوات الله عليه:تَفتَـرُّ في فَلَـكِي حَروف هجائي مِثْلَ افْتِـرَار الكَوْكَـبِ القَـذَّاءِ وتَدُورُ مُعْلِنَـةً صُـرَاحَ ذلُولِـها لِمَـكانِ أفكَـارِي وَرِقِّ هَـوائِي واللهِ ما ازْوَرَّت تبِيـنُ لِمَنْطِقِـي ما انْماثَ عَنْها الزَّيْف قبْلَ هجائي فـإذا أرَدْتُ صِيَـاغَها وَنِظامَهـا هَبَطـتْ عَلـيَّ كَدِيمَـةٍ نَهْلاءِ وَحْيُ الكَلامِ يَسُوقهُ لِي مَنْبَعِــي مِن آلِ هاشِـمَ،أرْتَويهِ كَمَــاءِ تَتَسَابَقُ الكلماتُ بَيْنَ جَوانِحِــي حَتَّى تُلبِّـي بَيْنَـها أصْدائــي حَتَّى تَفِيقَ عَلى خِطَـابِي أجْيُـلٌ وَتَهُـشُّ أخْرَى ، وَاللواءُ لِوائـي نَهْجُ البلاغةِ بانَ أصْبـحُ وجْهِـهِ لِيَقُولَ: إنَّ العِلمَ فِي أحْشائــي أَبَعْدَ الحسَـينِ السِّبْط يُنتَظَـرُ الأمْـرُ فـلا دامَ مِن بعد الحسـين لَنَا دَهْرُ لقدْ أفجَعَ الإسلامَ مُذْ غَـابَ نُـورُهُ فهَلْ يُرْتجََى يَـا مَهْدِ مِنْ بَعْـده صَبْرُ أَطـاحَتْ عُروشُ الغَيِّ أرْكانَ دِينِكم فزَالَـتْ،فلَيْسَ اليَوْم مِن نُـورهِ خُبْرُ فَإنْ عاقكَ الأنْصارُ فالْحَق بمَنْ مَضَـى حُسَيْـنٍ عَلا حَرْباً وَأنْصَـارُهُ قصْرُ إلامَ التَّنائي -ياإمامُ - وَهذه الأفـاعي تَوَلَّـتْ ،وَالدُّنََـى كُلُّـها سُكْــرُ لقدْ أصْبَحَ الأتْبَـاعُ لُقْمَـاتِ ظـالمٍ فَعَجِّلْ ، فَليْسَ اليوم مِنْ صَبْرِكم صَبْرُ أَلَيْسَ الحسـينُ اْغْتِيـلَ ذَوْداً لِدينِكم فَعَجِّـل، فَذَا الإسلامُ حُزَّتْ لهُ نَحْرُ * خطر التلفزيون: قَدْ صَيَّـرَ التِّلْفَـازُ قَلْبَ العَـانِي أُرْجُــوزَةً لِلْفِسْــقِ والإيمَـانِ يَغْدُو يُؤَرْجِحُهُ الهَـوَى بَعْدَ التُّقَـى ويَـرُوحُ لا يَبْغِي سِـوَى الشَّيْطَانِ الخَيْـرُ يَجْذِبُـهُ فَيَغْصبُـه العُـرِي صـارَت رُؤَاهُ تَجَـاذُبَ الحِبْـلانِ أَنَّـى لِصَـائِرِه يَبِـيتُ بِهَــدْيِهِ مَـادَامَ مَصْـرُوعًا عَلَى الفَنَّـانِ أَنَّـى لِنَــاشِئِنَا يَثُـوبُ لِرُشْـدِهِ مَـادَامَ صَافِي السُّمِّ بِالأَحْضَـانِ أَضْحَى لِفِكْرِ البَعْضِ صَدْرًا مُرْضِعًا هَـالُوا عَلَيْـهِ صَنِيـعَةَ الرُّضْـعَانِ مَهْمَا أُفِيضُ فَلَسْتُ أُحْصِـي شَـرَّه فَاسْتَمْسِكُــوا بِبَقِيَّـةِ الرَّحْمَـنِ وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما بقيته في العالَمِين إمام الزمان عجل الله فرَجَه الشريف. كَتَبَه أضْعَفُ العباد إلى الله تعالى سلمان بن مبارك الجميعة غفر الله خطاه وعرَّفَه وَأَرَاه مولاه وعَفَا عنه وعن والديه وعن جميع المؤمنين والمؤمنات. |
![]() |
#2 |
عضو نشيط
![]() |
![]()
البـَـلْسَمُ الـمَسْطُورُ
فِي الـكَوْثَرِ الـمَهْدُور بقلم: سلمان بن مبارك الجميعة المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصي نعماءَه العادُّون ولا يؤدي حقَّه المجتهدون، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا وشفيع ذنوبنا محمد بن عبد الله وأهل بيته الطيبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً،وبعد..قال أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الخطبة الرابعة والتسعين مِن كتاب (نَهْج البلاغة)، يَصِفُ الأنبياءَ عليهم الصلاة والسلام: [...فاسْتَوْدَعهم في أفْضَل مُسْتودع، وأقَرَّهم في خير مُسْتقرٍّ، تَناسَخَتْهم كَرائمُ الأصْلاب إلى مُطَهَّراتِ الأرْحام، كُلَّما مَضى منهم سَلَفٌ قامَ منهم بِدِينِ اللهِ خلَفٌ]. سأشارك في الدفاع عن المعصومين عليهم الصلاة والسلام بهذه اللَّفْتَةِ التي سَأنَوِّهُ عليها في هذه الرسالة المختصرة، وأرجو أنْ تفتح للمؤمنين أبواباً مِن الرحمة إن شاء الله تعالى. وأسأله أن يرزقنا شفاعة الشافعين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى اللهَ بقلب سليم.. سلمان ــــــــــــ سأتناول نُكتةً أشار إليها القرآنُ الكريمُ بعدَ ذِكرهِ لِبَعض الآياتِ التي يَدَّعِي بعضُ مُخَطِّئةِ الأنبياءِ بأنها تدُلُّ على عدم عصمَتِهم المُطْلَقةِ عليهم الصلاة والسلام .. وهذه النكتة هي:إنَّ اللهَ جل وعلا بَعدَ أنْ يَقُصَّ علينا بعضَ قصصِ هؤلاء الأنبياء العظام أو يُشِيرَ إلى نتيجةٍ لِبعض المواقفِ التي صَدَرَت عنهم فإنَّهُ تعالى يُعَقِّبُ ذلك بأنَّه اجْتَبَى واصْطَفَى واخْتَارَ هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام،وَرُبَّما يُفرِّعُ -بالفاء- هذا الاجْتِبَاءَ على هذه القصص أو المواقفِ المُدَّعَى دُلالتها على صدور المعصية عنهم. لاحظوا أنه لا يُتَصَوَّر مِن عاقلٍ -فضلاً عن سيِّد العقلاء- أنه يُثْنِي على أحَدٍ كثيرَ ثَناءٍ، وأنه يَختاره لِخِلافَتهِ في الأرض والحُكمِ بين الناس بِالعدل، بَعْدَ أنْ يَصِمَهُ بالعصيان والغواية وارتكاب الذنب، إذا كان مَعْنَى هذه المُصْطلحات هو المعنى المعروف مِن التَّمَرُّدِ على الله تعالى والخروج عن حَرِيم شريعتِه، لأنَّ هذا الأسْلوبَ -بالإضافة إلى أنه بعيدٌ عن الحَدِّ الأدْنى مِن البلاغة- فهو مُخْرجٌ لِلمُسْتعمِل لهُ عن دائرة العُقَلانيَّة،فكيْف يُعَقِّب عَدمَ تماميةِ وعدمَ كفاءةِ إنسانٍ مّا لِلنُّبُوة والخلافة الإلهية -بِسَبَبِ عصيانه- بِأَنَّه اجْتباه واصطفاه واختاره لهذا المنصِب؟! حتى لو كان هذا المقدارُ مِن العصيان -المُدَّعَى- لا يَضُرُّ بِمَقامِ النبوة فإنه لا يُصَحِّحُ هذا الاستعمال قَطُّ! سأشير إشاراتٍ طَفِيفَةً إلى هذا المعنى-الذي تَخْتَزِله نُكْتَتُنا-عَبْرَ عَرْضِ بَعْضِ الآيات الكريمة التي تَحْمٍِل ما ذكرْنا. ولكن مِن المُناسِب قبل ذلك أنْ نُمَهِّدَ -باختصار- بِالحديث عن العِصْمَة،فنقول: لولا عصمة الأنبياء لَمَا وَثِقَ الخَلْقُ بالرسالات الإلهية، وذلك لأنَّ جَوَازَ وإمْكانَ الخطأِ عليهم -صلوات الله عليهم- يُؤدِّي إلى زَعْزَعَةِ اطْمِئْنَانِ وثِقَةِ المُكَلَّفِينَ في صِدْق الرسول.. سواءً كان إمكان الخطأ والاشتباه عِندهم على مستوى تَلَقِّي الوَحْي وتبْلِيغ الرسالة، أو كان على صَعِيد الالتزام بِمَا يُؤَدُّونه مِن شرائع.. إذن لا بُدَّ مِن عصمتهم في جميع هذه المراحل، ويكفي مُرْشِداً لِثُبُوت العصمة لديهم قولُه عَزَّ مِنْ قائل: {وما يَنْطق عن الهوى* إنْ هو إلا وحي يوحى} (النجم3-4) وقولُه تعالى: {ما آتاكم الرسولُ فَخُذُوه وما نهاكم عنه فانْتَهُوا}(الحشر7)، فلو لم يَكُن الرسولُ مَعصوماً مُطْلَقاً لَمَا أَمَرَنا اللهُ تعالى بِأَخْذِ كلِّ ما يأتي به وتَرْكِ كلِّ ما يَنْهَانا عنه،مُسَلِّمِين له بذلك، فلو صَحَّ أَنْ يُخْطِئ لَجَازَ أنْ يَأْتِينا بِغَيْر ما عند الله تعالى، وإذا كُنَّا مأمورين بِالاتِّبَاع المُطْلَق، إذاً فاللهُ يَأْمُرنا بِأَخْذِه أيضًا وهذا محال في حقِّه تبارك وتعالى. وأما معنى العصمة، فقد عُرِّفت بِتَعَاريف شتَّى،بعضُها يَرْجعُ إلى معْنى واحد،وهو أنَّ العصمة نَوْعٌ مِن العِلْم القَطْعِي بِحَقَائق الأشياء، فَنَظَرُ المعصوم إلى الأعمال الباطلة يَخْتَلِف عن نَظَرِنا إليها، فهو يَرَاها على واقِعِها..فيَرَى قُبْحَها ونُتُونَتَها كَمَا نَرَى بِأَعْيُنِنا ما أمامنا،وبالتالي فيَسْتَحِيل عليه أَنْ يَرْتَكِبَها -مع قُدْرَتِه على ذلك طبعاً-فالمعصومُ يَرَى بَاطِنَ الفاحشة وما هي عليه في الواقع،وهي-بلا شك- قَذِرَة،فَلَنْ يَرْتَكِبها،بل لَنْ تَمِيلَ نَفْسُه إلى ذلك أصلاً،ولا بأس بِهَذَيْن المثالَيْن لِتَوْضيح كَوْنِ المعصوم لا يَفْعَل المعصيةَ مع قُدْرَته على ذلك: نَرَى أَنَّ الإنسانَ العاقِلَ يَسْتَطِيع أنْ يَخْرُج أَمَامَ الناس عَارِيًا،لَكِنَّه لا يمكن أنْ يَفْعَل ذلك، لِوُضُوح قُبْحِ ودَنَاءَةِ هذا الفِعْلِ عِنْدَه وُضُوحًا وجْدَانِيًّا لا يُخَالِجُه شَكٌّ في ذلك. *المثال الثاني:السُّمُّ القاتِل أو البَوْلُ القَذِر .. يَسْتطيع الإنسانُ العاقل أنْ يَتَنَاوَلَه، ولكنه لا يُقدِمُ على ذلك، بل لا تَمِيل نَفْسُه إليه أَصْلاً. *الطائفة الأولى:وَلْنَعُدْ إلى صُلْب بحْثِنا ونَذْكُر الآياتِ الكريمة التالية -على طَوَائِف- مع بعض التعليق: قوله تعالى:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثم اجْتباهُ ربُّه...} (طه121 – 122). *الطائفة الثانية:لاحظوا كيف أنَّ الله تعالى عَطفَ اجتِباءَه لآدَمَ عليه السلام بـ(ثم) التي تَدُلُّ على الترتيب بِالإِضافة إلى المشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه.. فالاجتباءُ لم يَأْتِ قبْل المعصية والغوَايَة، بل أَتَى بعدهما، ونحن وإنْ كنا نَنْفِي أنْ تكون المعصيةُ والغوايةُ سَبَبًا لِلاجْتباء -إذْ أنه غيْر مَعْقُول- ولكننا نَسْتَبْعِد ونُحِيل -لهذا الترتيب وغيره- أنْ يكون معْنى المعصية والغواية هو المعنى المـُتَدَاوَلُ والمعرُوف مِن الخروج عن طاعة الله تعالى والتَّمَرُّدِ على أوامره، بل لا بُدَّ أنْ يكون المعنى مُتَنَاسباً مَع سَبْكِ كلام المولى وسِيَاق الآيات الشريفة، فنقول -مثلاً- بِأَنَّ المعصية هنا بِمَعْنَى تَرْكِ الأوْلى والأَحَبِّ إلى الله تعالى، وهو عدم الأكل مِن تلك الشجرة،لا بِمَعْنَى فِعْلِ المُحَرَّمِ المـَنْهِيّ عنْه نَهْيًا لا يُسْمَح بِارْتِكَاب نَقِيضِه وهو الأَكْل،فعَدَمُ الأكل أَحَبُّ إلى الله تعالى مِن الأكل منها، فأَتَى النهيُ عنه لذلك. أو نقول بِأَنَّ نَهْيَ المولى تعالى نبيَّه آدَمَ لم يكن نَهْيًا مَوْلَوِيًّا، يَعْنِي لم يَكُن النَّهْيُ نَهْيَ تَكْلِيفٍ بِحَيْث أنه يَتَرَتَّب عليْه غَضَبُ اللهِ جلَّ وعلا، وإنما كان نَهْيًا إِرْشَادِيًّا، لِمَا في الأكل مِنْ ضَرَرٍ يَعْلَمه اللهُ سبحانه. أو غيْر ذلك مِمَّا خَرَّجَ به علماؤنا الأبرارُ ما جَرَى لآدَمَ وحَوَّاءَ-عليهما السلام-في تلك الجَنَّة. قوله تعالى: {وهَلْ أَتَاك نَبَأُ الخصْم إذ تَسَوَّرُوا المحرَابَ * إذ دَخَلُوا على داود فَفَزِعَ منهم قالوا لا تَخَف خَصْمانِ بَغَى بعضُنا على بعضٍ فَاحْكُم بيننا بِالحق ولا تُشْطِط واهْدِنا إلى سواء الصراط * إنَّ هذا أخي له تسْع وتسعون نعْجَة ولِي نعجة واحدة فقال أَكْفِلْنِيها وعَزَّنِي في الخطاب * قال لقد ظَلَمَك بِسُؤال نعجتك إلى نعاجه وإنَّ كثيراً مِن الخلطاء لَيَبْغِي بعضُهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليلٌ مَا هم وظَنَّ داودُ أنما فَتَنَّاه فاسْتغفَر رَبَّه وخَرَّ راكعًا وأناب * فغَفَرْنا له ذلك وإنَّ له عندنا لَزُلْفَى وحسن مآب * ياداود إنا جعلناك خليفةً في الأرض فاحْكُم بين الناس بِالحق ولا تَتَّبِع الهوى فيُضِلّك عن سبيل الله إنَّ الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}(سورة ص26،21). *الطائفة الثالثة:والكلامُ كَمَا في سابقه، فلم يَكُن اسْتِغفارُ داود عليه السلام عن ذَنْبٍ مَوْلَوِيٍّ يُعَاقَب عليه لو لم يَستغفِر، لِمَا مَرَّ مِن الدليل العَقْلِي على إثباتِ العصمة، ولِمَا يُنَاسِب بَلاغَةَ القرآنِ الكريم واسْتِعْمَالَ ذلك مِن قِبَل رَبِّ العالمين، حيث أنه تعالى بَعْد أنْ سَرَدَ قصةَ داود -مع المتخَاصِمَيْن واسْتِغْفَارَه إِيَّاه وغُفْرَانَه سبحانه- عَقَّبَ ذلك بِالمنْزِلةِ العظيمة والوظيفة الجسيمة لداود،- لِذلك - جَعَلَه خليفتَه في الأرض،وأَمَرَه أنْ يَحْكُم بين الناس بِالعدْل.مَنْزِلة الخلافة والتمثيل عن الله تعالى في أَرْضِه منزلةٌ لا يَنَالُها أَيُّ أحَدٍ، بل هي لِخَاصَّتِه جل وعلا،فكيف يَسْتَسِيغ العقلُ أو العَارِفُ بِالعربِيَّة-أَقَلُّها-أنْ يَمْتَدِح اللهُ سبحانه داودَ بِهذا التَّنْصِيب الخطير بعد ذِكْرِه المباشر لِلتَّمَرُّدِ والعصيان المُدْعَيَيْنِ لِداود لأنه اسْتَغْفَر رَبَّه؟! قوله تعالى:{وإذ نادى ربُّك موسى أن ائْتِ القومَ الظالمين * قومَ فرعون ألا يَتَّقُون* قال ربي إني أخاف أن يكذبون * ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون * ولهم عَلَيَّ ذنبٌ فأخاف أن يقتلون * قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون* فَأْتِيَا فرعونَ فَقُولا إنا رسولا رب العالمين * أن أرسل معنا بني إسرائيل * قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين * وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين * قال فعلتها إذاً وأنا مِن الضالين*ففررْتُ منكم لما خفتُكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني مِن المرسلين} (الشعراء 21،10). *الطائفة الرابعة:قَوْلُ نبِيِّ الله موسى عليه السلام: {لهم علي ذنب} يعني: بِنَظَرِهم أَنَّ ما فَعَلْتُه مِن قَتْلِ ذلك القِبْطِي الكافر ذَنْبٌ فسَيَقْتُلُوني عليه، بل إنَّ فرعون تَمَادَى وعَبَّرَ عن هذا الذنب أو عنه وعن خُرُوجِ موسى عليه بِالكُفْرِ، فقال اللهُ تعالى على لسانه: {وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} وجَارَاه موسى عليه السلام، فقال له بِأَنَّنِي ضَالٌّ في رأيكم إذاً؟! ولكنَّ الله ربي جَعَلَني حاكمًا وخليفةً في الأرض ورسولاً إلى الناس أجمعين. إذن لا يُعقل أنْ تكون هذه الواقعة مُشْتَمِلَةً على تَمَرُّدِ موسى بقوله: {وأنا من الضالين}، أو تكون مشتملةً على خَطَأ في الموضوع الخارجي.. قَتَلَ ذلك القبطيَّ بِوَكْزِه، فهو يَسْتَحق القتلَ، وموسى وإنْ لم يَقْصد قتْلَه إلا أنَّ ضَرْبَتَه كانت في محلِّها، وإلا لَمَا ناسَبَ موسى أن يَرُدَّ على فرعون بِأَنه بَعْد هذا الخطأ والضلال -في نَظَر فرعون-وَهَبَهُ اللهُ الحكمَ والرسالة! قوله تعالى: {ووهبنا لداود سليمان نعْم العبد إنه أَوَّاب * إذ عُرض عليه بِالعَشِي الصافنات الجياد * فقال إني أحْبَبْتُ حُبَّ الخير عن ذِكْر ربي حتى توارت بالحجاب * رُدوها علي فطفق مسحاً بِالسوق والأعناق * ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب*قال رب اغفر لي وهب لي مُلكاً لا ينبغي من بعدي إنك أنت الوهاب* فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الأصفاد * هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب* وإن له عندنا لزلفى وحُسْن مآب}(سورة ص40،30). *الطائفة الخامسة:في هذه الآيات الشريفة..عندما يُثْنِي اللهُ تبارك وتعالى على سليمان عليه السلام فَيَصِفهُ بِأنه ذو عبودية خالصة له سبحانه وبِأنه أَوَّابٌ إليه بِاستمرار..هذا قَبْلَ أَنْ يَذْكُر قِصَّتَه مع الجياد والخيول،ثم يَعُود بعْد سَرْدِها لِيَذْكُر منزلتَه لديه وحُسْنَ أَوْبَتِهِ إليه..كلُّ هذا ويَأْتِي البعضُ لِيَدَّعِي بِأَنَّ قوله تعالى في هذه القصة على لسان سليمان عليه السلام {إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي} تَصْرِيحٌ بِأَنَّ سليمان قَدَّمَ حُبَّه لِلجيادِ على ذكر الله تعالى.. إنَّ هذا لا يُنَاسِب سِيَاقَ سَرْدِ الله تعالى لِلقصة، والثَّنَاءَ الذي حَفَّهَا مِنْ طَرَفَيْها! ثم لو كان سليمان -والعياذ بالله- عاصياً فإنه وإِنِ اسْتَغْفَرَ لَم يَتَجَرَّأ مباشرةً بِطَلَبِ المُلْكِ الذي لا يَنْبَغي لأَحَدٍ مِن بعده؟! إنَّ هذا لا يُحتَمَل مِن مؤمنٍ واعٍ مِن عامّةِ الناس، لِمَا فِيه مِن قلَّةِ الاستحياء مِن المَعْصِيِّ -ادِّعاء-. ألا تذكرون قصةَ ذلك العبد الصالح الذي -بعد أنْ خالَفَ مولاه تعالى- سَجَدَ أربعين يوماً دون أنْ يَطْلُبَ مِن الله تعالى أَدْنَى شيءٍ، حياءً منه، فكيف بِعَاصٍ -حسب الادِّعاء- يَطْلُب المُلْكَ كله بعْد تَوْبَتِه مباشرة؟! قوله تعالى:{فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم * لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم * فاجتباه ربُّه فجعله من الصالحين}(القلم50،48). مصادر العامّةوقوله تعالى:{وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون * فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم * فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون * فنبذناه بالعراء وهو سقيم * وأنبتنا عليه شجرة من يقطين*وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} (الصافات148،139). لم يَكُن النبيُّ يونس عليه السلام عاصيًا أبدًا،وفَحْوَى الكلامِ في هذه الآيات مِن هذه الطائفة الخامسة يَأْبَى ذلك أيضًا،لأَنَّ اللهَ تعالى ذَكَرَ -بعْدَ سَرْدِ قصةِ يونس- بِأنه اجْتَباه،وذَكَرَ -بَعْدَ ذلك- بِأَنه أَرْسَلَه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون(1) فلا يُنَاسِب المقامُ عصيانَ النبيِّ يونس أبدًا*. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما بقيته في العالمين إمام الزمان عجل الله فرجه. سلمان ــــــــــــــــــــــــــ (1) سواءً كان يونس عليه السلام قد أُرسِل إلى غير قوْمِه الأولين -على قوْلٍ- أو أنه أُعِيدَ إرسالُه إلى نفْس قوْمِه كما هو ظاهر الآيات الكريمة كما هو تعبير الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره(الأمثل). *لِلاستزادة: أ- الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل. للفقيه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.دار إحياء التراث العربي. ب- عصمة الأنبياء في القرآن الكريم. للمحقق الكبير الفقيه الشيخ جعفر السبحاني. ـــــــــــــــ صحيح البخاري للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بردزبة البخاري الجعفي. صحيح مُسْلِم (وهو: الجَامِع الصحيح للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري). صحيح الترمذي (وهو: الجامع الصحيح للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي). صحيح النسائي (وهو سُنَنُ النسائي للحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي). صحيح أبي داود (وهو سُنَنُ أبي داود للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني). صحيح ابن ماجة (وهو سُنَنُ ابن ماجة للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني). المُسْتَدْرَك على الصَّحِيحَيْن للحاكم النيسابوري. مسند الإمام أحمد بن حنبل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل. ينابيع المودة لذوي القربى للشيخ الحافظ سليمان القندوزي. |
![]() |
![]() |
|
|
|