#1
|
|||||||
|
|||||||
![]() إمامة زين العابدين (عليه السلام) . البحث الأوّل : الإمامة ومستلزماتها الإمامة : هي رئاسة عامّة في أمور الدين والدنيا ، والإمام : هو الذي له هذه الرئاسة . وقال الشيخ المفيد : الإمامة في التحقيق على موضوع الدين واللسان : هي التقدّم في ما يقتضي طاعة صاحبه والاقتداء به في ما تقدّم به . وقد عرّفها القاضي الآبي من متكلّمي الإمامية بقوله : الإمامة : التقدّم لأمر الجماعة . وقال فخر المحقّقين : الإمام هو الذي له الرئاسة العامّة في أُمور الدين والدنيا ، نيابةً عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . فإذا كانت الإمامة بهذه السعة في شمول نفوذها ، وهي كذلك عند المسلمين الشيعة ، الذين يعتقدون بإمامة السجاد (عليه السلام) ، فلا يمكن أن تفرّغ من السياسة فضلاً عن أن يكون للإمام نفسه التخلّي عنها ، واعتزالها . خصوصاً إذا لاحظنا رأي الشيعة في الإمامة ، فهم يعدّونها من الأصول الاعتقادية ، ويعظّمون شأنها ، فيلتزمون بوجوب النصّ عليها من الله تعالى ، باعتبار أنّ العلم بتحقّق شروطها ، لا يكون إلاّ ممّن يعلم الغيب ويطّلع على السرائر وليس هو إلاّ الله تعالى . ولذلك : اختصّت الإمامة عند الشيعة بهالة من القدسية ، وبإطار من العظمة ، وبوفرة من الاهتمام ، تجعلها عندهم بمنزلة النبوّة في المسئوليات ، إلاّ أنّ النبوّة تمتاز بالوحي المباشر من الله تعالى ، وقد استوحوا هذه المنزلة من قول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السلام) : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَ بعدي .. الحديث الذي يُعتبر من أدلّة إمامة عليّ (عليه السلام) . وقد جاء التعريف الجامع للإمامة على رأي الشيعة الإمامية في حديث الإمام الرضا علي بن موسى بن جعفر (عليه السلام) ، حيث قال : ... إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء . إنّ الإمامة خلافة الله عزّ وجلّ ، وخلافة الرسول ، ومقام أمير المؤمنين ... إنّ الإمامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعزّ المؤمنين . إنّ الإمامة آس الإسلام النامي ، وفرعه السامي ، ... إلى آخر كلامه في ذكر الإمام وأوصافه ، وواجباته. ومن يُنكر أن تكون السياسة من صميم شؤون النبوّة ، ومسئوليات النبيّ المهمّة ? وأنّى تُبْعَد السياسة من اهتمامات نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ? . وقد اتفق الزيدية مع الإمامية على مجمل الذي ذكرناه ، إلاّ أنّهم عبّروا عن شرط الإمامة ، بالخروج ، وأضافوا : الدعوة إلى نفسه . ومن مذهبهم : أنّ كلّ فاطميّ ، خرج وهو عالم ، زاهد ، شجاع ، سخيّ ، كان إماماً واجب الاتباع . وأضاف بعضهم : أن يكون قائماً ، شاهراً لنفسه ، رافعاً لرايته وهو المراد بشرط الدعوة إلى نفسه . والمراد بالخروج واضح ، وهو إعلان العصيان على الحكومات الجائرة ، الغاصبة للسلطة ، وعدم الانقياد لحكمها . وقد أدخل متأخّرو الزيدية كلمة السيف على هذا الشرط ، فعبّروا عنه بالخروج بالسيف . ولعلّه باعتبار ملازمة الخروج للمقاومة ، التي لا تخلو من مقارعة بالسيف ؛ ولذلك لم تخل حالات الخروج المعروفة في التاريخ من استعمال السيوف ووقوع ضحايا وشهداء . أمّا لو اقتصرنا على مدلول الخروج الذي فسّرناه ، فلم يختلف المذهب الزيدي عن الإماميّ في الخروج على حكم السلطات ، وعدم الاعتراف بالحكّام غير الشرعيين ، ورفض كل أشكال التحكّم الخارج من إطار الإمامة الحقّة . وأمّا بناءً على الالتزام بالخروج بالسيف شرطاً في الإمامة فإنّ الإمام علي بن الحسين السجّاد ، وأبناءه الأئمّة (عليهم السلام) لم يقوموا بدور علنيّ في هذا المجال ، حتّى نُسِبَ إليهم معارضة كلّ حركةٍ مسلّحة ضدّ الأنظمة الحاكمة . ولكنّ هذه التهمة بعيدة عن ساحة الأئمّة (عليهم السلام) : أوّلاً : لأنّ عمل الأئمّة علي والحسن والحسين (عليهم السلام) في قياداتهم للحروب واشتراكهم في المعارك ، هو الحجّة عند الشيعة ، ويكفي دليلاً على بُطلان هذه التهمة ؛ لأنّ الإمامة شأنها واحد ، فلو كان للأئمة السابقين أن يقوموا بعمل مسلّح ، فمعناه جواز ذلك للاحقين ، وأنّ ذلك لا ينافي الإمامة . فنسبة معارضة الحركة المسلّحة إلى أيّ إمام ثبتتْ إمامتُه ، وكان مستجمِعاً لشرائطها ، نسبة باطلة ، فكيف تجعل دليلاً على نفي الإمامة عن أحد ? . وثانياً : إنّ الإمام السجاد (عليه السلام) هو في أوّل القائمة التي وُجهت إليها هذه التهمة ، مع أنّا نجد موقفه من السيف ينافي هذه التهمة تماماً ويُبطلها ، فهو في الحديث التالي يعتبر إشهار السيف عملاً لمن هو سابق بالخيرات . ففي تفسير قوله تعالى : ( ثُمَ أوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ بإذنِ اللهِ ذْلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبيرُ ) ، فاطر : 35 الآية 32 . قال (عليه السلام) : نزلت والله فينا أهل البيت ثلاث مرّات . قال الراوي : أخبرنا : مَنْ فيكم الظالم لنفسه ? . قال (عليه السلام) : الذي استوت حسناته و سيئاته ، وهو في الجنّة . قال الراوي : والمقتصد ? . قال (عليه السلام) : العابد لله في بيته حتّى يأتيَهُ اليقين . قال الراوي : فقلت : السابق والخيرات ? . قال (عليه السلام) : مَنْ شهر سيفه ، ودعا إلى سبيل ربّه . فاعتقاد الإمام السجاد (عليه السلام) أنّ الفضل والسبق يتحقّق بإشهار السيف ، يقتضي بُطلان نسبة معارضة الحركة المسلّحة إليه (عليه السلام) . وثالثاً : إنّ هذا الشرط الخروج بالسيْف ليس شرطاً على إطلاقه ، وليس قابلاً لأن يكون شرطاً للإمامة كذلك . ومن ثَمّ ، فإنّ التُهمة المذكورة مردودة وباطلة . وقد يكون مَنْ قلّل من شدّتها وحِدّتها ، فعمد إلى تخفيفها ، وعبّر عنها بدعوى عدم صحّة الإمامة لو أَرخى الإمام ستره ، وأغلق بابه كان ينظر إلى هذه الملاحظة . فإنّ هذه الصيغة يمكن التأمّل فيها ، والبحث عنها ، من حيث أنّها لا تتجاوز شرط الخروج بالمعنى الذي عرفناه ؛ لأنّها يمكن أن تكون فرضاً للحدّ الأقل من الفروض الممكنة للخروج ، وأنّ إشهار السيف هو الحدّ الأكثر له . ومع أنّ إغلاق الباب ، وإرخاء الستر ليس ذكراً إلاّ لأبعد الاحتمالات الممكنة ، فإنّا لم نَجِدْ في سيرة الإمام السجاد (عليه السلام) ، وكذلك الأئمّة من ولده مثل هذا الإرخاء وهذا الستر . فهم (عليهم السلام) وإن لم يشهروا السلاح الحديدي لكنّهم لم يغلقوا أبوابهم ، بل نجد سيرتهم مليئة بالنشاط القيادي ، حتّى في أصعب الحالات ، وأقسى المواقف والظروف ، وأكثرها حسّاسية ، كما في حالة الأسر التي مرّ بها الإمام السجاد (عليه السلام) ، وحالة السجن التي مرّ بها الإمام الكاظم (عليه السلام) ، فإنّهم لم ينقطعوا فيها عن أداء دورهم المتاح لهم . هذا بغضّ النظر عن عملهم الدؤوب في إرشاد الناس وهدايتهم إلى الحق في أُصول العقائد ، ومن ذلك إعلان إمامة أنفسهم ، وتعريفهم بالحق الصحيح من فروع الأحكام وعلم الشريعة ، وتربيتهم على الأخلاق الفاضلة ، وتعليمهم سنن الحياة الحرّة الكريمة ، هذا العمل الذي هو الهدف لكل الأنبياء في رسا لاتهم ، ولكل المصلحين في نضالهم ، وهو من أميز وظائف الأئمّة ، وأبرز واجبات الإمامة . والظالمون من الحكّام غير الإلهيين يقفون أمام مثل هذا العمل ، ويعدّونه تحدّياً لسلطانهم ، ومنافياً لمصالحهم ، وبناء على ذلك : فالقائم به يكون معارضاً سياسياً خارجاً عليهم ولو بغير سيف . وإصرار الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) على هذا العمل ، إلى جانب مَنْ كان يقوم منهم بنشاط مسلّح ، يدل على أنّ الجهاد في هذا المجال له من الأهمية والأثر في الوصول إلى الأهداف المنشودة من الإمامة ، ما يوازي الحاصل من الجهاد المسلّح ، على أقلّ الاحتمالات . ويمكن التأكّد من ذلك ، من خلال الممارسات العنيفة للحكّام الظالمين تجاه أولئك الأئمة الذين لم يحملوا السلاح ، بنفس الشكل الذي واجهوا به المجاهدين المسلّحين . فعمليات المراقبة ، والمطاردة ، والجلب إلى مراكز القوّة والجند عواصم الحكم ، بل السجن ، والتهديد ، والضغط على بعض الأئمة الاثني عشر ، من الأمور التي كانت قائمة ومستمرّة ، على الرغم من عدم مدّ أيديهم إلى الأسلحة الحديدية . إنّ ذلك يدلّ بوضوحٍ على أنّ الحكّام عرفوا أنّ هؤلاء الأئمة يحاربونهم بأسلحة أفتك من السيف . كما يعرف كلّ المناضلين : أنّ الحرب الفكرية والاختراق الثقافي من أساليب ما يُسمّى بالحرب الباردة ، هي أشدّ ضراوة ، وأعمقُ أثراً في الخصم ، وأنفذُ في كيانه ، من الحرب بالأسلحة . وهل يجرؤ عارف بالتاريخ الإسلامي على إنكار الأثر البارز للأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) في هذا المجال ? فضلاً عن نسبة إغلاق الباب وإرخاء الستر إليهم . لولا الخطأ في الحكم ? أو التعمّد في تخطّي الحقائق ? . وعلى كلٍّ ، فإنّ حالة إرخاء الستر ، وإغلاق الباب لا تمثّل إلاّ أبعد الفروض المحتملة ، والممكنة الوقوع في حياة الأئمّة (عليهم السلام) . كما أنّ حالة إشهار السيف تمثّل أقوى الفروض ، وأشدّ الحالات وأحوجها إلى مثل ذلك . فكلا الفرضين محتمل في الإمامة . فكما أنّ من الممكن فرض حالة إشهار السيف في ما إذا تحقّقت الظروف المناسبة للحركة المسلّحة ، وتوافرت الشروط والإمكانات اللازمة للخروج بالسيف ، إذ لم نجد نصّاً يمنع الحركة ، فضلاً عن أن يجوز للإمام تفويت تلك الفرص ، وتبديد تلك الإمكانات . فكذلك إذا اجتمعت شروط الإمامة غير السيف فإنّ تحدّي الظالمين عَبْرَ وسائل أخرى ، تعبّر عن الخروج والتصدّي لحكمهم ، هو المتعيّن للكشف عن عدم الرضا باستمرار الأنظمة الجائرة ، ولا يمكن أن يُعتبر ذلك نقطة ضعف ، أو يُجعل دليلاً على التخلّي عن الحركة المسلّحة . ومن هنا نعلم أنّ السيف ليست له موضوعية ، وهو ليس شرطاً بإطلاق الكلمة ، من دون تقييد بوقتٍ ، ولا محدوديّة بإمكانيات . بل ، لا ريب في أنّ الخروج بالسيف ، مشروط بما يحقّق الأهداف المطلوبة منه ، وهي لا تتحقّق بالخروج العشوائي ، بل لابدّ أن يتأهّب الخارج لها ، ويُعدّ للأمر ما يلزم له من قوّة وعُدّة . و إلاّ ، فإنّ الانفراد في الساحة والاستبداد بالرأي من دون أنصار ، أو بأنصار غير كفوئين ، أو من غير خُطّة مدَبرة مدروسة ، أو في ظروف غير مؤاتية . إنّ الخروج ولو بأقوى سيف في مثل ذلك لا يمكن أن يكون شرطاً لشيءٍ متوقّع ، فضلاً عن أن يكون شرطاً لشيءٍ هامّ مثل الإمامة . هذا إذا صدق على مثل ذلك اسم غير الانتحار . وقد أرشد الإمام السجاد (عليه السلام) إلى هذه الحقيقة في احتجاجه على مَن اعترض عليه بترك الجهاد ، والالتزام بالحجّ ، بقوله : تركتَ الجهاد وصعوبته ، وأقبلتَ على الحجّ ولينه ، والله عزّ و جلّ يقول : ( إن الله إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ... * إلى قوله وبشّر المؤمنين ) . [ التوبة : 9 الآية 111 ] . فقال الإمام (عليه السلام) : إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحجّ . وهو المستفاد من كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية : ( أما والله لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كِظّة ظالم ولا سَغَب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت أوّلها بكاس آخرها ). ولو كان الخروج واجباً على كل حال ، وغير مشروط ، لما قال الإمام هذا الكلام . وفي الجامع الكافي للشريف العلوي : قال الحسن (عليه السلام) : ويحقّ على مَن أراد الله والانتصار للدين : أن لا يُظهر نفسه ، ولا يعود بسفك دمه ودماء المسلمين ، وإباحة الحريم ، إلاّ ومعه فئة المتديّنين يوثق بطاعتهم ووفائهم . إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوصى إلى علي (عليه السلام) ، قال : يا أخي ، عليك بالصبر ، إلاّ أن تجد أعواناً وأنصاراً ، فاشهر سيفك حينئذٍ ، فإن لم تجد أعواناً وأنصاراً ، فاحقن دمك ، فإنّ القوم لم ينسوا قتل ساداتهم في مواقفك التي شرّفك الله تعالى بها في دينه. نعم ، قد يضطرّ الواقع إنساناً أبيّاً ، إلى الإقدام على الخروج المسلّح ، وإن لم توجد شروطه ، لحاجة الوضع إلى إثارة ، فيضحّي بنفسه فداءً من أجل قضيّته . وهذا وإن كان لا يُسمّى في قاموس اللغة خروجاً ، ولا في مصطلح الفقه جهاداً ، ولا يمكن أن يُعتبر في حسابات العقل واجباً ، ولا في موازين المنطق شرطاً لشيء ، فضلاً عن الإمامة . إلاّ أنّه يحتوي على فضيلة هذه العناوين كلّها بأعظم شكل ؛ إذ إنّه يُعدّ في قاموس النهضات بطولة ، وفي وجدان الشعوب تضحية ، وفي روح الدين فداء وعلى صفحات التاريخ خلوداً ويكون قاعدةً لإصلاحات كبيرة ، وباروداً لانفجارات مهيبة ، بعيدة أو قريبة ، كما كانت نهضة الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام) . وأخيراً : فإنّ من الممكن نفي اشتراط الإمامة بالخروج بالسيف خاصّة ، على أساس المفهوم من حديث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دالاًّ على إمامة الحسن والحسين (عليهما السلام) بقوله : ( ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا ) . فإنّ القيام لو كان شرطاً للإمامة ، والقعود لو كان منافياً لها ، لما كان حتّى للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يثبتها للحسنين (عليهما السلام) مع فرض القعود . ثم إنّ الحسنين (عليهما السلام) ، قد استجمعا هذا الشرط ، فقاما وناضلا ، فما هو المبرّر لفرض القعود في حقّهما ? وإبراز إمامتهما مع القعود ? فليس من الحكمة إظهار هذا المعنى ، لو كان حديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) موجّهاً إليهما بالخصوص . إلاّ أنّ من الواضح أنّ المراد تعميم الحكم المذكور على الإمامة نفسها ، باعتبارها واقعاً واحداً ، وعلى الأئمّة جميعهم باعتبارهم قائمين بأمرٍ بعينه . والمفهوم من الحديث : أنّ الإمامة إذا ثبتتْ حَسَبَ الموازين المتّفق عليها ، التي أهمّها النصّ ، فإنّ القيامَ بالأمر والقعود متساويان . إذَنْ : فالذي يمكن أن يكون شرطاً لابدّ أن يعمّ الحركة المسلّحة المباشرة ، وأن تكون هي وحدة تمثّل تحقّق ذلك الشرط الذي تبتني عليه الإمامة ، بل هي متعيّنة ، عندما تتهيّأ ظروفها وتتكامل إمكاناتها ، أو كما يُشخّص الإمام نفسه ضرورة القيام بها . ويتحقّقُ ذلك الشرط ضمن وحدات أُخرى تمثّله ، وتوصل إلى الأهداف المطلوبة لأجلها الإمامة . وذلك الشرط هو الإصلاح في الأمة . وقد عُبّر عنه في مصادر قدماء الزيدية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . في ما رواه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ، قال : بُلّغنا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال : ( مَنْ أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذرّيتي فهو خليفة الله في أرضه ، وخليفة كتابه ، وخليفة رسوله ) . ولم يختلف أحد من الأُمّة خاصة الشيعة ـ إمامية وزيدية ـ في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا على الإمام فحسب ، بل على الأمة جمعاء . لكن هذا الواجب : أوّلاً : ليس من أصول الدين ، بل من فروع العمل ؛ ولذا كان وجوبه عامّاً على كلّ الأمة ، فلا يمكن أن يؤخذ شرطاً خاصاً ، لأصل دينيّ ، كالإمامة ، ولا على شخصٍ معيّن ، كالإمام . ثانياً : إنّ وجوبه ليس مطلقاً ، بل هو مشروط ومقيّد بحالات ، فلا يعلّق عليه أمر ضروري مطلق ، كالإمامة التي يعدّها الشيعة من أثافي الإسلام وأعمدته . فمن القيود ، عدم التقية : قال الإمام السجاد (عليه السلام) : التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كنابذ كتاب الله وراء ظهره ، إلاّ أن يتقي تقاةً . قيل : وما تقاته ? قال (عليه السلام) : يخاف جبّاراً عنيداً ، أن يَفْرُطَ عليه أو أن يطغى . ومنها ، ظنّ التأثير : فإنْ لم يظنّ لم يجب . بل جعل منها في الفقه الزيدي شرط : أن لا يؤدّي إلى مثله أو أنكر ، أو تلفه ، أو عضو منه ، يقبح غالباً . واحترز بقيد الغالب عمّا لو حصل بتلف القائم إعزاز الدين ، كما كان من الحسين (عليه السلام) وزيد (عليه السلام). فهو قد جعل حركة الحسين وزيد (عليهما السلام) مثلاً للأمر المعروف والنهي عن المنكر ، ولا ريب في أنّهما كذلك ، وفي المنظار العام ، بل هما من أروع الأمثلة وأعلاها . وذكره للإمام الحسين (عليه السلام) مع أنّ إمامته ثابتة بالنصّ عند الشيعة إماميّة وزيديّةً دليل على أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واجب آخر ، من دون دخالةٍ له في أمر الإمامة . والذي نستخلصه من هذا البحث : أنّ الإمامة إنّما هي منصب إلهي يعتمد على النص ، خاصّاً كما يقوله الإمامية ، أو عاماً كما يقوله الزّيدية ، وإذا ثبت النص على إمام بعينه كان الحجّة على الأمة ، مهما فعل من قيام أو قعود . نعم ، إنّ من المستلزمات الواضحة للإعلان عن الإمامة هو التحرّك في سبيل مصلحة الدين والمسلمين ، والتحرّق من أجل مشاكلهم ومآسيهم ، والسعي في حلّ أزماتهم بكلّ الطرق والسُبل ، ولو بتجريد السيف . ولعلّ اشتراط الخروج والدعوة الذي يظهر من كلمات الزيدية ، يُراد كونه شرطاً لتعريف الأمة بالإمام ، والإعلان عن بدء حركته الجهاديّة ، لا شرطاً في الإمامة وثبوتها للإمام ؛ وبهذا يقترب المذهبان . ولنختم هذا البحث بكلام اثنين من علماء الشيعة : من كبار علماء الزيدية ، ومن كبار علمائنا الإماميّة : أمّا من الزيديّة : فعن الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) على ما نقل الشريف العلوي في ( الجامع الكافي ) لمّا سُئل عن خروج زيد (عليه السلام) وقعود جعفر (عليه السلام) ? أنّه قال : خروج زيد صلّى الله عليه طاعة ، وقعود جعفر (عليه السلام) طاعة ، وليس للناس أن يحكموا عليهما . وأمّا الإماميّ فهو الشيخ المحدّث الحافظ ، المتكلّم ، الفقيه ، أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزّاز القمّي ، فإنّه قال في كتابه القيّم كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر بعدما أورد النصوص المتضافرة على إمامتهم (عليهم السلام) ما نصّه فإن قال قائل : فزيد بن عليّ ، إذا سمع هذه الأخبار ، وهذه الأحاديث من ثقات المعصومين ، وآمن بها ، واعتقدها ، فلماذا خرج بالسيف ? وادّعى الإمامة لنفسه ? وأظهر الخلاف على جعفر بن محمد ? وهو بالمحل الشريف الجليل ، معروف بالستر والصلاح ، مشهور عند الخاص والعام بالعلم والزهد ? وهذا ما لا يفعله إلاّ معاند أو جاحد ، وحاشا زيداً أن يكون بهذا المحل . فأقول في ذلك ، وبالله التوفيق : إنّ زيد بن علي (عليه السلام) خرج على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا على سبيل المخالفة لابن أخيه جعفر بن محمد (عليهما السلام) . وإنّما وقع الخلاف من جهة الناس ، وذلك أنّ زيد بن علي (عليه السلام) لَمّا خرج ، ولم يخرج جعفر بن محمد (عليهما السلام) توهّم قوم من الشيعة أنّ امتناع جعفر كان للمخالفة .
وإنّما كان لضربٍ من التدبير . فلمّا رأى الذين صاروا للزيدية سلفاً قالوا : ليس الإمام مَنْ جلس في بيته وأغلق بابه وأرخى ستره ، وإنّما الإمام مَنْ خرج بسيفه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . فهذا كان سبب وقوع الخلاف بين الشيعة ، وأمّا جعفر وزيد (عليهما السلام) ، فما كان بينهما خلاف . |
![]() |
#2 |
![]() مديــر عام ![]() |
![]()
الحمد لله الذي جعلنا واياكم من الموالين
لآل بيت رسول لله ص اسئله ان يرزقنا واياك شفاعتهم ان شاء الله احسنت ووفقت موضوع مفيد بالمعلومه لمن يتصفح لك تحياتي ودعائي |
![]() ![]() |
![]() |
#4 |
مشرف
![]() |
![]() ![]() ![]() الاخر الموالي عباس عذيب الصالحي ![]() جازاكم الله خير الجزاء لجهدكم الطيب اسئل الله لكم التوفيق والثبات لولاية وخدمة محمد وال محمد تحياتي الطيبة لكم مصحوبة بالاحترام والتقدير ![]() |
![]() |
![]() |
|
|
|