#1
|
|||||||||
|
|||||||||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين (التلازم بين الخوف والرجاء) الرجاء ارتياح القلب لانتظار المحبوب، وهو يلازم الخوف، إذ الخوف ـ كما عرفت ـ عبارة عن التألم من توقع مكروه ممكن الحصول، وما يمكن حصوله يمكن عدم حصوله أيضاً، وما كان حصوله مكروها كان عدم حصوله محبوبا، فكما انه يتألم بتوقع حصوله يرتاح ليتوقع عدم حصوله أيضاً، فالخوف عن شىء وجوداً يلزمه الرجاء عدما، وعنه عدما يلزمه الرجاء وجوداً. وقس عليه استلزام الرجاء للخوف، فهما متلازمان، وان أمكن غلبة أحدهما نظراً إلى كثرة حصول اسبابه. وان تيقن الحصول أو عدمه لم يكن انتظارهما خوفاً ورجاء، بل سمي انتظار مكروه أو انتظار محبوب. ثم كما ان الخوف من متعلقات قوة الغضب، وان الممدوح منه من فضائلها، لكونه مقتضى العقل والشرع، وباعثاً للعمل من حيث الرهبة، فكذا الرجاء متعلق بها ومن فضائلها، لكونه مقتضاهما وباعثاً للعمل من حيث الرغبة. إلا ان الخوف لترتبه على ضعف القلب يكون أقرب إلى طرف التفريط، والرجاء لترتبه على قوته يكون أقرب إلى طرف الافراط، وان كان كلاهما ممدوحين. ثم لابد ان يحصل أكثر أسباب حصول المحبوب حتى يصدق اسم الرجاء على انتظاره، كتوقع الحصاد ممن ألقى بذراً جيداً في أرض طيبة يصلها الماء. واما انتظار مالم يحصل شىء من اسبابه فيسمى غروراً وحماقة، كتوقع من القى بذراً في ارض سبخة لا يصلها الماء. وانتظار ما كان اسبابه مشكوكة يسمى تمنياً، كما إذا صلحت الأرض ولا ماء. وتفصيل ذلك. ان الدنيا مزرعة الآخرة، والقلب كالأرض، والايمان كالبذر، والطاعات هي الماء الذي تسقى به الأرض، وتطهير القلب من المعاصي والأخلاق الذميمة بمنزلة تنقية الأرض من الشوك والاحجار والنباتات الخبيثة، ويوم القيامة هو وقت الحصاد. فينبغي ان يقاس رجاء العبد (المغفرة) برجاء صاحب الزرع (التنمية)، وكما ان من القى البذر في ارض طيبة، وساق إليها الماء في وقته، ونقاها الشوك والحجار، وبذل جهده في قلع النباتات الخبيثة المفسدة للزرع، ثم جلس ينتظر كرم الله ولطفه مؤملآ ان يحصل له وقت الحصاد مائة قفيز مثلاً، سمى انتظاره رجاء ممدوحا، فكذلك العبد إذا طهر ارض قلبه عن شوك الأخلاق الردية وبث فيه بذر الايمان بماء الطاعات، ثم انتظر من فضل الله تثبيته إلى الموت وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة، كان انتظاره رجاء حقيقياً محموداً في نفسه. وكما ان من تغافل عن الزراعة واختار الراحة طول السنة، أو ألقى البذر في ارض سبخة مرتفعة لا ينصب إليها ماء، ولم يشتغل بتعهد البذر واصلاح الأرض من النباتات المفسدة للزرع، ثم جلس منتظراً إلى ان ينبت له زرع يحصده، سمي انتظاره حمقاً وغروراً. كذلك من لم يلق بذر الايمان في أرض قلبه، أو ألقاه فيه مع كونه مشحوناً برذائل الأخلاق منهمكاً في خسائس الشهوات واللذات، ولم يسق إليها ماء الطاعات، ثم انتظر المغفرة، كان انتظاره حمقاً وغروراً. وكما ان بث البذر في ارض طيبة لا ماء لها، وجلس ينتظر مياه الامطار حيث لا تغلب الامطار، وان لم يمتنع أيضاًً، سمي انتظاره تمنياً. كذلك من ألقى بذر الايمان في ارض قلبه, ولكنه لم يسق إليه ماء الطاعات، وانتظر المغفرة بلطفه وفضله، كان انتظاره تمنياً. فاذن، اسم (الرجاء) إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد، ولم يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختياره، وهو فضل الله تعالى بصرف القواطع والمفسدات. فالا حاديث الواردة في الترغيب على الرجاء وفي سعة عفو الله وجزيل رحمته ووفور مغفرته، إنما هي مخصوصة بمن يرجو الرحمة والغفران بالعمل الخاص المعد لحصولهما، وترك الانهماك في المعاصي المفوت لهذا الاستعداد. فحذر ان يغرك الشيطان ويثبطك عن العمل ويقنعك بمحض الرجاء والأمل. وانظر إلى حال الانبياء والاولياء واجتهادهم في الطاعات وصرفهم العمر في العبادات ليلآ ونهاراً، اما كان يرجون عفو الله ورحمته؟ بلى والله! إنهم كانوا أعلم بسعة رحمة الله وأرجى لها منك ومن كل أحد، ولكن علموا ان رجاء الرحمة من دون العمل غرور محض وسفه بحت، فصرفوا في العبادات أعمارهم وقصروا على الطاعات ليلهم ونهارهم. ونحن نشير (أولا) إلى بعض ما ورد في الرجاء من الآيات والاخبار، ثم نورد نبذاً مما يدل على انه لا معنى للرجاء بدون العمل، ليعلم ان اطلاق الاول محمول على الثاني، فنقول: الظواهر الواردة في الرجاء أكثر من ان تحصى، وهي على أقسام: (الاول) ما ورد في النهي عن القنوط واليأس من رحمة الله كقوله تعالى: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله "[1]. وقول علي (ع) لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه: " أيا هذا! يأسك من رحمة الله أعظم من ذنوبك ". وما روى: " انه (ص) لما قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولخرجتم إلى الصعدات تلدمون صدوركم وتجأرون إلى ربكم. فهبط جبرئيل (ع) فقال: ان ربك يقول: لم تقنط عبادي؟ فخرج عليهم ورجاهم وشوقهم ". وما ورد: " ان رجلاً من بني اسرائيل كان يقنط الناس ويشدد عليهم، فيقول الله له يوم القيامة: اليوم أويسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها ". (الثاني) ما ورد في الترغيب على خصوص الرجاء وكونه سبب النجاة، كما ورد في أخبار يعقوب من " انه تعالى أوحى إليه أتدري لم فرقت بينك وبين يوسف؟ لقولك: وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " [2]. لم خفت الذئب ولم ترجني؟ ولم نظرت إلى غفلة اخوته ولم تنظر إلى حفظي؟ " وقول أمير المؤمنين (ع) لرجل قال عند النزع: أجدني اخاف ذنوبي وارجو رحمة ربي: " ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما رجا وأمنه مما يخاف "[3]، وقول النبي (ص): " ان الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذ رأيت المنكر ان تنكره؟ فان لقنه الله حجته، قال: رب رجوتك وخفت الناس، فيقول الله: قد غفرته لك ". وماروي عنه (ص): " ان رجلاً يدخل النار فيمكث فيها ألف سنة ينادي يا حنان يا منان، فيقول الله لجبرئيل: اذهب فأتني بعبدي، فيجيء به، فيوقفه على ربه، فيقول الله له: كيف وجدت مكانك؟ فيقول: شر مكان، فيقول: رده إلى مكانه. قال: فيمشي ويلتفت إلى ورائه، فيقول الله عز وجل: إلى أي شيء تلتفت؟ فيقول: لقد رجوت إلا تعيدني إليها بعد إذا اخرجتني منها، فيقول الله تعالى: اذهبوا به إلى الجنة". وقوله (ص): " قال الله تعالى: لا يتكل العاملون على اعمالهم التي يعملونها لثوابي، فانهم لو اجتهدوا واتعبوا انفسهم اعمارهم في عبادتي، كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي، فيما يطلبون عندي من كرامتي، والنعيم في جناتي، ورفيع الدرجات العلى في جواري، ولكن برحمتي فليثقوا، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا، وفضلي فليرجوا[4]، فان رحمتي عند ذلك تدركهم، ومني يبلغهم رضواني، ومغفرتي تلبسهم عفوي، فاني انا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت ". وعن ابي جعفر (ع) قال: " وجدنا في كتاب علي (ع) ان رسول الله (ص) قال وهو على منبره: والذي لا إله إلا هو ما أعطى مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكف عن اغتياب المؤمنين، والذي لا إله إلا هو لا يعذب الله مؤمناً بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله وتقصيره من رجائه وسوء خلقه واغتيابه للمؤمنين، والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لان الله كريم بيده الخيرات يستحيي[5] ان يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يختلف ظنه ورجاءه، فاحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه ". (الثالث) ما ورد في استغفار الملائكة والانبياء للمؤمنين كقوله تعالى: " والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض "[6]. وقوله (ص): " حياتي خير لكم وموتي خير لكم، اما حياتي فاسن لكم السنن واشرع لكم الشرائع، واما موتي فان أعمالكم تعرض علي، فما رأيت منها حسناً حمدت الله عليه وما رأيت منها سيئاً استغفرت الله لكم ". (الرابع) ما ورد في تأجيل المذنب إلى ان يستغفر، كقول الباقر (ع): " ان العبد إذا اذنب أجل من غدوة إلى الليل، فان استغفر لم يكتب عليه"[7]. وقول الصادق (ع): " من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار، فان قال: استغفر الله الذي لا إله إلا الله هو الحي القيوم واتوب إليه ثلاث مرات، لم تكتب عليه ". (الخامس) ما ورد في شفاعة النبي (ص) كقوله تعالى: " ولسوف يعطيك ربك فترضى "[8] وقد ورد في تفسيره ان لا يرضى محمد وواحد من امته في النار، وقوله (ص): " ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي "، وكذا ما ورد في شفاعة الائمة والمؤمنين. (السادس) ما ورد من البشارات للشيعة ومن عدم خلودهم في النار، ومن ان حب النبي (ص) والعترة الطاهرة ينجيهم من العذاب، وان فعلوا ما فعلوا. (السابع) ما دل على ان النار انما عدها الله لاعدائه من الكافرين، وانما يخوف بها أولياءه، كفوله تعالى. " لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده "[9]، وقوله: "واتقوا النار التي أعدت للكافرين "[10] وقوله: لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى "[11]. (الثامن) ما ورد في سعة عفو الله ومغفرته ووفور رأفته ورحمته، كقوله: " وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم "[12] وما روى في تفسير قوله تعالى: يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه[13] " ان الله أوحى إلى نبيه: اني اجعل حساب أمتك اليك، فقال: لا يارب! أنت خير لهم مني[14]، فقال اذن لا أخزيك فيهم " وما روى: " انه (ص) قال يوماً: يا كريم العفو! فقال جبرئيل: أتدري ما تفسير يا كريم العفو؟ هو: انه يعفو عن السيئات برحمته ثم يبدلها حسنات بكرمه"[15]. وما ورد: ان العبد إذا أذنب فاستغفر، يقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي أذنب ذنباً، فعلم ان له رباً يغفر الذنوب ويأخذ بالذنب أشهدكم اني قد غفرت له. وما ورد في الخبر القدسي: انما خلقت الخلق ليربحوا علي، ولم أخلقهم لأربح عليهم ". وما ورد من " انه لو لم يذنبوا، لخلق الله تعالى خلقاً يذنبون ليغفر لهم " وقوله (ص): " والذي نفسي بيده. الله ارحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها " وما ورد من " انه سبحانه ليغفرن يوم القيامة مغفرة ما خطرت قط على قلب احد حتى ان ابليس يتطاول لها رجاء ان تصيبه". والآيات والأخبار الواردة في هذا المعنى متجاوزة عن حد التواتر. (التاسع) ما دل على ان ابتلاء المؤمن في الدنيا بالبلايا والأمراض كفارة لذنوبه، كقوله (ص): " الحمى من قيح جهنم، وهي حظ المؤمن من النار ". (العاشر) ما ورد في ان الايمان لا يضر معه عمل، كما ان الكفر لا ينفع معه عمل، وفي انه قد يغفر الله عبداً ويدخله الجنة لاجل مثقال ذرة من الايمان أو عمل جزئي من الاعمال الصالحة. (الحادي عشر) ما ورد في الترغيب على حسن الظن بالله، كقوله (ص): " لا يموتن احدكم إلاّ وهو يحسن الظن بالله " وقوله (ص): " يقول الله تعالى: انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ". وقول الرضا (ع): " احسن الظن بالله، فان الله عز وجل يقول: انا عند ظن عبدي لي، ان خيراً فخير وان شراً فشر ". وقول الصادق (ع): "حسن الظن بالله: ألا ترجو إلا الله، ولا تخاف إلاّ ذنبك" وقد تقدم بعض أخبار اخر في هذا المعنى. ثم إيجاب حسن الظن للرجاء وجلبه له مما لا ريب فيه. (الثاني عشر) ما دل على ان الكفار أو النصاب يكونون يوم القيامة فداء للمؤمنين أو الشيعة، كما روى أنه (ص) قال: " امتي امة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة، وعجل عقابها في الدنيا بالزلزال والفتن، فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من امتي رجل من أهل الكتاب، فقيل هذا فداؤك من النار ". وعن أهل البيت (ع): " ان النصاب يجعلون فداء لشيعتنا بظلمهم اياهم ووقيعتهم فيهم ". وعن الصادق (ع): " سيؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا في اعماله، بعد ان صان الولاية والتقية وحقوق اخوانه، ويوقف بازائه ما بين مائة واكثر من ذلك إلى مائة الف من النصاب، فيقال له: هؤلاء فداؤك من النار، فيدخل هؤلاء المؤمنون إلى الجنة وأولئك النصاب إلى النار، وذلك ما قال تعالى: " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "[16] في الدنيا منقادين للامامة، ليجعل مخالفوهم من النار فداءهم ". وأما (الثاني) ـ اعني ما يدل على أن رجاء المغفرة والعفو والرحمة إنما هو بعد العمل ـ فأكثر من أن يحصى، كقوله تعالى: " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله "[17]. وقوله: فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا "[18] وقول النبي (ص): " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الجنة ". وما روي عن الصادق (ع) أنه قيل له: قوم يعملون بالمعاصي ويقولون: نرجوا فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت، فقال: " هؤلاء قوم يترجحون في الاماني كذبوا ليسوا براجين، "إن"[19] من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف من شىء هرب منه" وعن علي بن محمد، قال: قلت له عليه السلام: إن قوماً من مواليك يلمون بالمعاصي ويقولون نرجوا، فقال: " كذبوا، ليسوا لنا بموال أولئك قوم ترجحت بهم الاماني. من رجا شيئاً عمل له، ومن خاف شيئاَ هرب منه". وعنه قال: " لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجيا، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو ". ![]() اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|