فلندرك القبر

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


إن الإنسان العاقل يبرمج لكل ما يحتاج إليه في حياته.
وجود الموت من الأمور المسلّمة عند كل البشر. عندما نرى ينزلون بنا في قبرنا، و عندها تبدأ قصة جديدة في عالم جديد. قصة إمرار الجسم و الروح في بيت غريب.
اللحظات الأولى في أوّل بيت
يقول النبي صلى الله عليه و آله في رواية جميلة:
إنّ القَبرَ أوَّلُ مَنازِلِ الآخِرَةِ ، فإن نَجا مِنهُ فما بَعدَهُ أيسَرُ مِنهُ ، وإنْ لم يَنجُ مِنهُ فما بَعدَهُ لَيسَ أقلَّ مِنهُ. [1]
طريقة بدأ كل عمل، ينبئ عن كيفية إستمرار ذلك العمل. كما يقال یَکفِیکَ مِمّا لا تَریَ ما قدْ تَرَی.
من الملاحظات التي يجب التنبيه عليها في هذا الموضوع، العلم بأن القبر أوّل الطريق؛ و هذا الطريق الطويل و المُتعرّج، طريق يجب إجتيازه بواسطة دنيانا الحالية؛ أي أننا لو لم نكن جاهزين لهذا الطريق من قبل أن نقع فيه، سنواجه صعوبات و مشاكل كثيرة قطعا. الملاحظة التالية أن الإنسان الذي قد جهز نفسه للقبر، سيكون الطريق له سهل في مواصلته الدرب أيضا.
إذا؛ كيفية أحوال الإنسان في القبر، تكون معيارا و ضابطا لسهولة أو صعوبة هذا الطريق.
إن إحدى خواص القبر، وحدة الإنسان التي يجب معالجتها. لذا سنتكلم حول وحدة الإنسان في القبر و علاجها في ما يأتي.
بيت الوحدة
وردت رواية جميلة عن النبي صلى الله عليه و آله حول القبر؛ يقول:
اَلْقَبْرُ یُنَادِی فِی کُلِّ یَوْمٍ بِخَمْسِ کَلِمَاتٍ، اَنَا بَیْتُ الْوَحْدَه فَاحْمِلُوا اِلَیَّ اَنِیساً، وَ أَنَا بَیْتُ الظَّلَمَه فَاحْمِلُوا اِلَیَّ سِرَاجاً اَنَا بَیْتُ التُّرَابِ فَاحْمِلُوا اِلَیَّ فِرَاشاً، اَنَا بَیْتَ الْفَقْرِ فَاحْمِلُوا اِلَیَّ کَنْزاً، وَ اَنَا بَیْتُ الْحَیَّاتِ فَاحْمِلُوا اِلَیَّ تَرْیَاقاً، وَ اَمَّا الْاَنِیسُ فَتِلَاوَه الْقُرْآنِ، اَمَّا السِّرَاجُ فَصَلَوة اللَّیْلِ وَ اَمَّا الْفِرَاشُ فَعَمَلُ الصَّالِحِ وَ اَمَّا الْکَنْزُ فَلَا اِلَهَ اِلَّا الله وَ اَمَّا التَّرْیَاقُ فَالصَّدَقَه. [2]
فيما يرتبط بهذا الحديث، يمكن إستنتاج ملاحظات مهمة و قَيّمة.
الملاحظة الأولى، الوحدة في القبر. الوحدة في القبر علامة على عدم أنس الروح مع مالك الروح. إن أساس الإنسان روحه و الله المتعال مالكها. كل ما كان يُبعّد الإنسان عن ذكر الله، و من جملتها كل اللحظات التي إرتكب الإنسان فيها المعاصي و الذنوب، هي سبب الوحدة في القبر. عدم أنس الإنسان بالله تعالى، يسبب حرمان الروح المؤنس و المحادَث و من ثم الإحساس بالوحدة في القبر.
الأنس بالله في الدنيا
من دون شك إن الأنس بالقرآن الكريم بصفته كلام الله تبارك و تعالى، يعد من أهم مصاديق الأنس بالله. تلاوة القرآن بمعنى قراءة و سماع رسالة الحبيب. الرسالة التي تكون قرينة الإنسان في القبر أيضا. فلنتصادق مع القرآن.
الإمام السجادعليه السلام يقول:
لَوْ مَاتَ مَنْ بَیْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لَمَا اسْتَوْحَشْتُ بَعْدَ أَنْ یَکُونَ الْقُرْآنُ مَعِی وَ کَانَ عليه السلام إِذَا قَرَأَ مالِکِ یَوْمِ الدِّینِ یُکَرِّرُهَا حَتَّى کَادَ أَنْ یَمُوت. [3]
دَعامة كل كلام، منزلة متكلم ذلك الكلام و قدرته. لذا الأنس بالقرآن يعطي الإنسان الإطمئنان و راحة البال بحيث لا يخاف الإنسان من شيء بعدها و لا يرى نفسه وحيدا معها.
الشيطان يسرق ذكر الله
الإغواء بوساوس الشيطان و طرقه المتنوعة في لحظة إغتراف الذنب، تمنع أنس الإنسان بذكر الله. فرصة الشباب التي تعد من أهم فترات حياة الإنسان، من أكثر المراحل التي يسعى الشيطان فيها لتدنيس الإنسان بالذنوب. يقول القرآن الكريم:
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْديهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ‏ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرين‏ [4]
الشاب بمثابة عين نضاخة في الطلب من العبود، هو الذي يسعى الشيطان في إمالته من الطريق. لذا يسعى في إنحرافه من كل الجوانب. مثلا الشاب يسعى في طلب الجمال؛ ولكن الشيطان بإمالة هذة الرغبة إلى الإمور الدنيوية المادية، عِوض أن يصل الإنسان إلى جمال الخالق، يوقع به في الشهوات و الذنوب.
الأنس بكلام الله، و بالدعاء و المناجاة و المداومة على الذكر، ينجب حبلا وثيقا من الأنس في قلب الشاب، لن تتمكن أية وسوسة و لا إغواء تمزيقه.
النتيجة
وحدة القبر تجسم وحدة الروح في الدنيا.
الروح الوحيدة، الروح التي من الوقت الذي أودعت فيه في جسم الجنين المادي، إنقطعت علاقتها بصاحبها الحقيقي و هو الله تبارك و تعالى. و لم تتلاطف بالقرآن.
إذا؛ لا نترك القرآن لأنه سيكون في تركه وحدتنا.

---------------------------
المصادر
[1] المجلسي، بحار الأنوار، ج 6، ص242
[2] أبي الحسین الورام، مجموعة ورّام، ص200
[3] الکلیني، الکافي، ج2، ص602
[4] الأعراف، 17