جوهري لا مظهري

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ..

انظر لجوهري واترك النظر لمظهري فجوهري معدن لامع أصيل لا يراه إلا من صاغه ، أما مظهري فيراه أغلب الناس بعيونهم المادية فمنهم من يراه جميلا ومنهم من يراه فبيحا ..

بهذه الكلمات أبدأ معكم أحبتي وهذه القصة الخفيفة التي تُبدي الفرق بين النظرة المادية والنظرة القلبيه لمعدن الإنسان ..

في احدى المدن كان رجل فقير يعمل لدى رجلٍ غني حارسا بمرتبٍ بسيط ، كان الرجل الغني يمر كل في صبيحة كل يوم على العامل مبدياً في وجهه ابتسامة خالية رد السلام ..

قال العامل في نفسه: لايهمني استعلاء ذلك الرجل ما دام يفيني حقي ويعطيني مرتبي ولا يبخس منه شيئاً ..

كان العامل في ظهيرة كل يوم العامل يرى كيساً يحوي طعاماً طيباً أمام بيته ولا يعرف مصدره ، يأخذ الكيس ويدعو لصاحبه بالخير كما أعانه بهذا الطعام على سد جوع أهله وعياله وأكفاه ذل السؤال ..

كان العامل لا يشعر بضيق العيش مدة عمله على قلة مرتبه بسبب الكيس الذي يأتيه من مصدر مجهول ظهيرة كل يوم لكن حينما توفى الرجل الذي يعمل عنده انقطع المتصدق عليه ، فضاق عليه العيش لعدم مقدرته شراء طعام بمستوى هذا الطعام الذي اعتاد عليه أهله وذلك بسبب قلة مرتبه ..

قرر التحدث مع صاحبة المنزل (زوجة الجل الغني) بشأن زيادة مرتبه ، طلب الإذن بالدخول عليها ، لمَّا أُذن له كلمها عن حاله وما يشعر به من ضنك عيش بسبب قلة مرتبه أجابته باستغراب ، لم أر منك التذمر من قلة مرتبك طوال سني عملك معنا، أخبرني عن سبب شعورك بضيق العيش وضنك المعيشة مع أني لم أرى يتطلب زيادة مصروفك عما سبق ، أخبرها العامل بخبر كيس الطعام الذي يراه أمام منزله ظهيرة كل يوم والذي لم يعد يراه بمجرد موت زوجها ، بكت السيدة بكاءاً مرَّاً ثم استرجعت وقالت ، رحمك الله يا أبا محمد للتو عرفت أين تذهب بكيس الطعام ظهيرة كل يوم طوال هذه السنين ، التفتت بعدها للعامل قائلة أبشر سأزيد مرتبك وسأُرسل إليك من يُسلمك الكيس يداً بيد بشرط الوحيد منك أن تترحم على ذلك الرجل الذي أعانك في السر حياً ليظهر جمال فعله معك ميتاً عند كل فريضة تؤديها ..

خرج العامل من عندها وعيناه تنهمر بالدموع حزنا حزناً على فراق المتصدق عليه طوال مدة عمله معه وأسفاً على ظنه الظن السيء به ..

وفت سيدة المنزل بوعدها وندبت ولدها أن يسلم كيس الطعام للعامل في ظهيرة كل يوم كما هو الحال سابقاً ..

رأى العامل من الولد مثلما كان يرى من أبيه وقرر أن يعرف سر ذلك ..

وقف في ظهيرة احد الأيام على باب داره ينتظر ولد الرجل الراحل وحينما رآه من بعيد تهيأ للسلام عليه بصوتٍ عالٍ لما اقترب منه نادى بأعلى صوته السلام عليكم رد عليه الولد التحية بأحسنها وبادره قائلاً: أعتذر إليك أخي ، اكيد أنت في كل يوم تبدي التحية لي لكنك لم تجد مني جواباً ، اعلم أخي أن ذلك راجع إلى ضعف عندي في السمع كما والدي يحجب عني سماع صوتك الجميل لا إلى تكبر أو استعلاء فنحن من أبٍ واحد وأمٍ واحدة ..

للتو عرف العامل أن سبب عدم رد الرجل الذي كان يعمل عنده لا يعود لاستعلائه عليه بل لعدم سماعه له ، هلت عيناه بالبكاء ورفع يده نحو السماء ودعا متضرعاً بالحمة والمغفرة والرضوان لذلك الرجل ودعا لعياله بدوام العيش الهانئ ولولده بالشفاء من البلاء الذي يعاني منه ، واستغفر ربه لظنه به وبولده ما ليس فيهما بسبب رؤيته المادية لا رؤيته القلبية لجمال معدنهما ..

صــ آل محمد ــداح (النجــ احمد ــار)