هذا هو الحب

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
حبيبُ ليس يُعدُله حبيبُ ... وما لسواه في قلبي نصيبُ
حبيبٌ غاب عن عيني وجسمي ... وعن قلبي حبيبي لا يغيبُ
قبل أيام احتفل العالم بما يسمى بيوم الحب ، فخطت الأقلام كلاماً رومانسياً في ذلك وهتفت الحناجر بأناشيد وأنغام تُظهر المودة فيما بين البشر ، ونطق الحكماء بضرورة التلاحم فيما بيت الناس ونشطت المؤسسات الحقوقية في إظهار المفاسد التي مزقت جسد العالم وأظهرت الأحقاد فيما بين اخوة وجيران ، وحتى جمعية الأمم المتحدة كانت لها كلمة ، أبدت فيها استياءها لما يحدث في دول العالم الثالث من تسلط حكام الجور على شعوبهم وقمعهم بالحديد والنار ، وحتى الأُسر قد أضمرت خلافاتها وأبدت حبها الخفي من خلال إحتفالاتها بهذا اليوم بتبادل الهدايا لتكن عربون حب كان مغموراً في ثنايا روتين الحياة
فهل يمكن للعالم أن ينسى خلافاته ويَصدق فيما أظهره في ذلك اليوم ؟ وهل يتمكن حكماء العالم ومنظمات حقوق الإنسان من التأثير على عقول حكام الجور من خلال كلمة استنكار أو إظهار جرائم عظمى قد أُرتكبت هنا وهناك ، أم هل للدول الكبرى أن تتنازل عن مطامعها وتتخلى عن خيلائها وتنزوي عن تدخلاتها في شئون البلدان
ولو سلمنا بأن العالم قد أخذ بهذا الشعار في ذلك اليوم ، فهل يا ترى يستطيع أن يطبقه قولاً وفعلاً ليكن ذلك اليوم منطلقاً وبدءاً لعلاقات جديدة يسودها الود والإحترام بعيداً عن المطامع والتدخلات التي مزقت جسده وجعتله منهكاً من كثرة النزف الذي طال من جروح عميقة من الصعب أن تندمل ؟ وهل يا ترى يلي ذلك اليوم أياماً وسنوات يعمل فيها العالم بالحب وإزالة الفوارق السائدة ، والمطامع المبيتة والتي هي أس الفساد ؟
وحتى على مستوى الأسر ، أيمكن للزوجين أن يتعهدا على بدء حياة جديدة تسودها السعادة ، ويغمرها الحب الصادق والشفافية قولاً وفعلاً ، وهل لهما أن يتعاملا مع أبنائهما بالحب ، ويزرعا في نفوس أبنائهما الحب لينشأوا نشأة طيبة تُعينهم على التعامل الجميل مع من يُوفق لأن يكون لهم صديقاً أو أخاً أو رفيقاً ، وهل ذلك اليوم يكفي لإزالة ما في القلوب من جروح وحسرات قد فطرتها وأدمتها بغزارة لتبقى نازفة على مر الزمان ؟
أسئلة كثيرة أحتاج للإجابة عليها إلى وقتٍ طويل وكلام كثير لا يسعني لها هذا الوقت القصير ولا يمكنني أن أفيها حقها من خلال هذه الكلمات القصيرة ، لذا سأتركها وسأتوجه بحديثي إلى من طبق الحب في حياته كلها ، بدءاً بحب الله والذي هو منطلق الحب لكل خير في هذه الحياة
نعم لقد أحب الله بصدق وعمل لله بإخلاص فصار لله ولي ، وأحب رسول الله صلى الله عليه وآله فصار له وزيراً وأخاً كريماً بل صار له نفساً ومُمثلاً في هداية الخلق من الضلال ، وأحب زوجته حباً صادقاً فبنى معها بيتاً قد رفعه الله وجعله مركزاً لذكره المبارك ، قد حوى اللؤلؤ والمرجان ، ليزينا بهما تلك الحياة لتخلد بالحب وتبقى قدوة لمن أراد أن يُطبق معنى الحب قولاً وفعلاً ، فهذا الحب لم يقف عند يوم ، بل دام لأكثر من 1400 عام وسيبقى خالداً إلى آخر الزمان بل سيستمر ليتجلى خالداً في الجنان

فحريٌ بنا أن نأخذ الحب من هذا المنبع الصافي للحب لنكن صادقين في حبنا ، لله ولرسوله وعترته الميامين الأطهار ، وصادقين في حبنا لمن حولنا من أهلٍ وأحباب ولا سيما من أرادها الله أن تكون لنا سكناً ولأولادنا وعاءاً طيباً وموسوعة للعلم والأخلاق ، وأن نكون صادقين في حبنا لمن لا يضمر لنا حقداً ولا يشهر علينا سيفاً ممن يُناظرنا من بني الإنسان
نعم من أراد الحب فليقرأ حياة علي عليه السلام ليعرف بأن الحب الحقيقي يدوم ما دامت الحياة ولا يقتصر على يوم أسماه من لا يعرف للحب سبيلاً بيوم الحب
صــ آل محمد ــداح