وكذا إذا خاف الزوج على زوجته من خطر يهدد حياتها ، أو من خطر تسيّب الأطفال الذي يجب على الأب تربيتهم تربية صالحة ، فكلّ هذه الاُمور يُعقل فيها منع الزوج زوجته من الخروج خارج البيت مثلاً .
ولكن حتى مع هذه النكتة الإضافية لاحترام الزوج في ولايته المنطقيّة نقول : يخرج الزوج عن ولايته على زوجته في منعها الخروج من البيت إذا علمنا أنّه يتحكّم في أعمال الولاية ; لأنّ هذا الحكم كان بملاك احترام الزوج وقيادته لبيت الزوجية إلى شاطئ السلامة والأمن ، فالتحكّم ينافي الاحترام كما ينافي قيادة البيت إلى شاطئ السلامة والأمن والسعادة الزوجية ، حيث تواجه المرأة هذا التصرّف بتصرّف معاكس ما يؤدي إلى السلبيات الكثيرة في بيت الزوجية .
ملاحظة :
عندما نقول : إنّ الإسلام أراد للمرأة أن تحترم زوجها في طاعتها له وفي عدم خروجها من بيته إلاّ باذنه ، فليس معنى ذلك أنّ الرجل لا يكترث باحترام الزوجة والمرأة ، بل وردت الروايات الحاثّة للزوج على تكريم الزوجة واحترامها ، وهذه بعض الإشارات إلى ذلك :
1 ـ الإنفاق والإحسان إلى النساء : فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "من كان له ثلاث بنات ، فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يغنيهن الله عنه ، أوجب الله تعالى له الجنة البتة ، إلاّ أن يعمل عملاً لا يغفر الله له"(1) .
والإنفاق والإحسان نوع احترام للمرأة .
2 ـ احترام المرأة مقياس للتفاضل : فقد ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : "خياركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي"(2) .
وهذا من فروع التقوى الذي فيه تفاضل ، وهو نوع احترام للمرأة .
3 ـ إدخال الفرح على المرأة : فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "ما من رجل يدخل فرحة على امرأة وبينه وبينها حرمة إلاّ فرّحه الله يوم القيامة"(3) .
وإدخال الفرح نوع احترام وتقدير .
4 ـ سعة الصدر في المواقف المتشنّجة : فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : "من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه"(4) .
وهذا أيضاً نوع احترام وتقدير لها عند سوء خلقها وعدم مقابلتها بالمثل .
5 ـ تحريم أساليب القوّة المحرّمة : فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "من ضرب امرأة بغير حقّ فأنا خصمه يوم القيامة ، لا تضربوا نساءكم ، فمن ضربهن بغير حقّ فقد عصى الله ورسوله"(5) .
____________
1- سنن أبي داود 2 : 630 .
2- مجمع الزوائد 4 : 303 .
3- المحجة البيضاء 3 : 119 .
4- مكارم الأخلاق : 245 .
5- تحف العقول : 175 .
6 ـ حفظ سرّ المرأة : فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "إنّ أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثمّ يفشي سرّها"(1) .
7 ـ الوصايا بالنساء : فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آخر وصية له : "الله الله في النساء ، فإنهن عوان عندكم وفي أيديكم ، أخذتموهن بعهد الله"(2) .
وهذا التوصية بها هو نوع احترام لها كما هو واضح .
وقال (صلى الله عليه وآله) : "ما أكرم النساء إلاّ كريم ، ولا أهانهن إلاّ لئيم"(3) .
وقال (صلى الله عليه وآله) : "أوصاني جبرائيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة"(4) .
إذاً اتضح ما تقدّم ، فسيكون المفهوم هو أنّ احترام الزوج أقوى وأهم من احترام الزوجة ، كالاحترام بين الابن والأب ، فكلّ منهما محترم إلاّ أنّ احترام الأب أكثر وأقوى من احترام الابن ، كما أنّ العطف على الابن والصغير والمرأة يكون أقوى من العطف على الأب الكبير والرجل .
ولهذا الاحترام للزوج الذي أقوى وأهم من الاحترام للزوجة نرى أنّ الشارع المقدّس قد جعل استحباب إطاعة الزوجة لزوجها في اُمور منها :
1 ـ إطاعة الزوجة زوجها في التصرّف بمالها في الصدقة والعتق والهبة والتدبير والنذر ، فليس لها التصرّف بهذه الاُمور لغير الآخرين إلاّ برضى الزوج .
2 ـ ليس لها أن تصوم تطوّعاً إلاّ باذن الزوج .(5)
____________
1- صحيح مسلم 4 : 175 .
2- السيرة النبوية ، لابن هشام 2 : 604 .
3- مختصر تاريخ دمشق 7 : 50 .
4- وسائل الشيعة 14 : 121 ، حديث 4 .
5- ذكر البعض أنّ الأحوط عدم صوم الزوجة بدون إذن الزوج و إن كان الأقوى الجواز إذا لم يمنع من حقّه ، ولا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه . راجع منهاج الصالحين / للسيد الخوئي/ ج1 / ص 288 كتاب الصوم .
وبما أنّ الزوج ليس له ولاية على أموال الزوجة وتصرفاتها فيها ، وليس له ولاية على أفعالها العبادية كالصوم والصلاة إذا لم تنافِ حقّ الاستمتاع ، فهي ليست خادمة أو مملوكة للزوج ، فحينئذ ستكون أفعالها هذه إمّا مستحبة أو جائزة أو مكروهة أو محرّمة أو واجبة .
أمّا المحرمة فلايجوز أن تفعلها ، منع منها الزوج أو أجازها .
وكذا التصرّفات الواجبة ، كما لو كانت قد حلفت بإذن الزوج أن تنفق على طفل معيّن ، وأجاز لها الزوج ، فيجب عليها الانفاق عليه ، سواء وافق على ذلك أو امتنع منه .
وحينئذ تبقى أنّ هذه الأفعال إمّا جائزة أو مستحبة أو مكروهة ، وستكون القاعدة الأولية هو جواز فعلها للزوجة ، إلاّ أنّ احترام الزوج ـ الذي إن لم يكن واجباً فهو مستحب ـ يجعل الميزان يتحرّك إلى احترام الزوج عند تعارض احترام الزوج وإجازته ، مع أفعال المرأة المستحبة والجائزة والمكروهة من باب أنّ المستحب يتقدّم على الجائز والمكروه ، وأنّ استحباب إطاعة الزوج تكون أقوى من استحباب هذه الأفعال للمرأة .