عرض مشاركة واحدة
قديم 10-25-2015, 11:13 PM   #7
عضو مميز


الصورة الرمزية الشيخ عباس محمد
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 762
 تاريخ التسجيل :  May 2015
 أخر زيارة : 08-15-2017 (06:01 PM)
 المشاركات : 475 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



المقدر، ويعتبر الدعاء من أقوى الأسباب، وليس شيء من الأسباب أنفع منه ولا أبلغ في حصول المطلوب، لما ورد في فضله من آيات الكتاب وصحيح الأثر، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء. وفيما يلي نجيب عن هذه الشبهة بشيء من التفصيل: علمه تعالى: قيل: إن تغيير مصير الإنسان بالدعاء وغيره من أعمال البر يقتضي التغيير فيما قدره الله تعالى في علمه الأزلي، وذلك يعني تغيير علمه تعالى، وهو محال. نقول: إن الله تعالى عالم بمصير الأشياء كلها غابرها وحاضرها ومستقبلها، وعلمه هذا أزلي قديم لا يتصور فيه الظهور بعد الخفاء ولا العلم بعد الجهل، قال تعالى: *(إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء)*(1). وقال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام): (لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء) (2). أم الكتاب ولوح المحو والإثبات: إن لعلمه تعالى مظاهر عبر عنها في الكتاب الكريم، منها أم الكتاب، وهذا المظهر يعبر عن علمه الأزلي المحيط بكل شيء، والذي هو عين
(هامش)
(1) سورة آل عمران: 3 / 5. (2) الكافي 1: 83 / 4. (*)
ص 109
ذاته، لا يتطرق إليه التغيير والتبديل، قال تعالى: *(وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)*(1)، وفي أم الكتاب التقدير القطعي الذي يشتمل على جميع السنن الثابتة الحاكمة على الكون والإنسان. والمظهر الآخر من علمه تعالى هو المعبر عنه بلوح المحو والإثبات، ولله تعالى فيه المشيئة يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء حسب ما تقتضيه حال العباد من حسن الأفعال أو قبحها التي تؤدي بالإنسان إلى السعادة أو الشقاء، قال تعالى: *(يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)*(2). قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (من الأمور أمور محتومة جائية لا محالة، ومن الأمور أمور موقوفة عند الله يقدم منها ما يشاء، ويثبت منها ما يشاء) (3). وفي لوح المحو والإثبات يكتب التقدير الأول، ولكنه يعلق بتحقق شرطه أو زوال مانعه، أي إنه موقوف على أعمال العباد، فالدعاء والذكر والصدقة وصلة الأرحام وبر الوالدين واصطناع المعروف، تحول شقاء الإنسان إلى سعادة، بأن تنسئ في أجله وتقيه مصارع الهوان وتدفع عنه ميتة السوء وتزكي أعماله وتنمي أمواله، وما إلى ذلك من الآثار الكثيرة الحسنة الواردة في الكتاب الكريم والحديث الصحيح. وعلى العكس من ذلك فإن اقتراف الذنوب وارتكاب السيئات كقطيعة الرحم وعقوق الوالدين وسوء الخلق وغيرها تحول مصير الإنسان من
(هامش)
(1) سورة الزخرف: 43 / 4. (2) سورة الرعد: 13 / 39. (3) بحار الأنوار 4: 119 / 58. (*)
ص 110
السعادة إلى الشقاء، قال تعالى: *(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)*(1). والتغيير الذي في لوح المحو والإثبات لا يمس بكامل علم الله تعالى، فليس هو انتقال من عزيمة إلى عزيمة، وليس هو حصول للعلم بعد الجهل، وليس هو معارضا للتقدير الأول، بل إن الله تعالى عالم بما يؤول إليه مصير الإنسان في لوح المحو والإثبات، والظهور بعد الخفاء هو بالنسبة لنا، لا إلى علمه تعالى المحيط بكل شيء، وذلك كالنسخ في التشريع الذي لا يختلف عليه أهل العدل. قال الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: *(يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)*: (فكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه، ليس شيء يبدو له إلا وقد كان في علمه، إن الله لا يبدو له من جهل) (2). وقال (عليه السلام): (من زعم أن الله عز وجل يبدو له في شيء لم يعلمه أمس، فأبرؤوا منه) (3). ومما تقدم تبين أن الإنسان لم يكن محكوما بمصير واحد مقدور غير قابل للتغير والتبديل، بل أنه يستطيع أن يغير مصيره لكي ينال سعادة الدارين بحسن أفعاله وصلاح أعماله، ومنها الدعاء والتضرع، وقد صح عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) أنه قال: لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله
(هامش)
(1) سورة الرعد: 13 / 11. (2) سورة الرعد: 13 / 39. (3) بحار الأنوار 4: 121 / 63. (3) بحار الأنوار 4: 111 / 30. (*)
ص 111
يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر (1). وهذا مما يبعث الرجاء في القلوب المظلمة كي تشرق بنور الإيمان، ويوقد النور في أفئدة المذنبين، فلا ييأسوا من روح الله، ويسعوا للخلاص بالدعاء والتضرع والذكر وسائر أعمال البر، فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، وكل يوم هو في شأن، ويداه مبسوطتان بالرحمة والمغفرة. والقول بسيادة القدر على اختيار الإنسان في مجال الطاعة والمعصية قول بالجبر الباطل بمحكمات الكتاب والسنة والعقل، وهو يقضي إلى القول بتعطيل جميع الأسباب وإلغاء إرسال الرسل وإنزال الكتب، وإلى بعث اليأس والقنوط في النفوس، فيستمر الفاسق في فسقه والظالم في ظلمه والمذنب في ذنبه، وذلك خلاف مشيئة الله وحكمته القاضية بأثر الدعاء في رد البلاء، والتوبة في طلب المغفرة والرحمة، وصلة الأرحام في طول الأعمار، وهكذا إلى آخر أعمال البر وصنائع المعروف.
ثانيا: الآثار الآجلة:
بالدعاء ينال ما عند الله تعالى من الرحمة والمغفرة والنجاة من العذاب في الآخرة، وذلك من أبرز آثار الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه، لأن عطاء الآخرة دائم مقيم لا نفاد له. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (أكثروا من أن تدعوا الله، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعده عباده المؤمنين الاستجابة، والله مصير
(هامش)
(1) مستدرك الحاكم 2: 350. (*)
ص 112
دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم في الجنة (1). وقال (عليه السلام): (عليكم بالدعاء، فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة، فارغبوا فيما رغبكم الله فيه، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله) (2). وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين
(هامش)
(1) الكافي 8: 7 / 1. (2) الكافي 8: 4 / 1. (*)


 

رد مع اقتباس