طاعته والبعد عن معصيته الموجبة لسخطه، وتأخر نزول رحمته بظهور وليِّه الغائب المستور أرواحنا له الفداء.
الوظيفة الحادية عشر: المرابطة
والمرابط في سبيل الله تعالى على نوعين: المرابطة المعروفة بين الناس هي الذهاب إلى الثغور والبقاء هناك على يقظة لحفظ حدود بلاد الإسلام من الغزاة، وهذه المرابطة هي النوع الأول وقد جاء في فضلها الكثير من الروايات الشريفة منها ما روي عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليه"4.
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "رباط يوم خير من صيام شهر وقيامه"5.
وهذه المرابطة من الأعمال التي تجر الخير لفاعلها إلى ما بعد الموت، فهي كالصدقة الجارية، ففي الرواية
37
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "كل عمل منقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله ويجرى عليه رزقه إلى يوم القيامة"6.
كم أن عين المرابط والحارس لحدود الإسلام لا تمسها النار يوم القيامة تكريما لجليل ما تقربت به إلى الله تعالى فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله"7.
واقل المرابطة هذه ثلاثة أيام، ولو زادت عن الأربعين يومها عد المرابط مجاهداً في سبيل الله تعالى ففي الرواية عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق: " الرباط ثلاثة أيام، وأكثره أربعون يوماً، فإذا جاوز ذلك فهو جهاد"8.
38
وأما النوع الثاني من المرابطة فهو يختص بمنتظري صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكيفيته أن يعد الإنسان نفسه وسلاحه لظهوره المبارك، ويكون على استعدادٍ دائم لنصرته، ففي الرواية عن أبي عبد الله الجعفي قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي الباقر: "كم الرباط عندكم ؟ قلت: أربعون قال: لكن رباطنا رباط الدهر،ومن ارتبط فينا دابة كان له وزنها ووزن وزنها ما كانت عنده، ومن ارتبط فينا سلاحا كان له وزنه ما كان عنده، لا تجزعوا من مرة ولا من مرتين ولا من ثلاث ولا من أربع، فإنما مثلنا ومثلكم مثل نبي كان في بني إسرائيل فأوحى الله عز وجل إليه أن ادع قومك للقتال فإني سأنصرك فجمعهم من رؤوس الجبال ومن غير ذلك ثم توجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا، ثم أوحى
39
الله تعالى إليه أن ادع قومك إلى القتال فإني سأنصرك، فجمعهم ثم توجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا، ثم أوحى الله إليه أن ادع قومك إلى القتال فإني سأنصرك فدعاهم فقالوا: وعدتنا النصر فما نصرنا فأوحى الله تعالى إليه إما أن يختاروا القتال أو النار، فقال: يا رب القتال أحب إلي من النار فدعاهم فأجابه منهم ثلاثمائة وثلاثة عشرعدة أهل بدر فتوجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى فتح الله عز وجل لهم "9.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قولة تعالى: ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾10 قال عليه السلام: "اصبروا على المصائب، وصابروا على الفرائض، ورابطوا على الأئمة "11.
وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير
40
الآية السابقة قال عليه السلام: "اصبروا على أداء الفرائض وصابروا عدوكم ورابطوا إمامكم المنتظر"12.
الوظيفة الثانية عشر: الدعاء بتعجيل الفرج
فقد ورد في مكاتبة له عجل الله تعالى فرجه الشريف "وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم"13. بل نجد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام:
"ومن قال أيضاً عقيب ظهر الجمعة سبع مرات: اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرج آل محمد كان من أصحاب القائم عليه السلام"14. وهذا ما نلاحظه في العديد من الأدعية أيضاً كدعاء العهد: "اللهم واكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضوره، وعجل لنا فرجه وظهوره، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً ".
41
هوامش
1- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 52 ص 140
2- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 53 ص 178
3- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية ,آخوندي-الطبعة الثالثة - ابن بابويه- علي- فقه الرضا-مؤسسة أهل البيت ¬ ج2 ص 431
4- الريشهري- محمد- ميزان الحكمة- دار الحديث , الطبعة الأولى- ج 1 ص 449
5- الريشهري- محمد- ميزان الحكمة- دار الحديث , الطبعة الأولى- ج 1 ص 449
6- الريشهري- محمد- ميزان الحكمة- دار الحديث , الطبعة الأولى- ج 1 ص 449
7- الريشهري- محمد- ميزان الحكمة- دار الحديث , الطبعة الأولى- ج 1 ص 449
8- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 15 ص 29
9- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية ,آخوندي-الطبعة الثالثة - ابن بابويه- علي- فقه الرضا-مؤسسة أهل البيت ¬ - ج 8 ص 382
10- آل عمران/200
11- محمد تقي الأصفهاني - مكيال المكارم - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت - ج 2 ص 398
12- محمد تقي الأصفهاني - مكيال المكارم - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت - ج 2 ص 398
13- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 23 ص 128
14- معجم أحاديث الإمام المهدي ، الشيخ علي الكوراني العاملي ، ج4 ، ص 114.الوظيفة الثالثة عشر: الإنتظار
من الانتظار ها هنا الترقب لظهوره الشريف ليملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "أفضل العبادة الصبر وانتظار الفرج"1.
وفي حديث آخر عن الصادق عليه السلام أنه قال: "من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه"2.
والمراد من الانتظار المعنى الإيجابي الذي يدفع الانسان
45
نحو تهيئة الأرض وتأمين الظروف المساعدة على تحقيق العدالة الإلهية الكاملة، من خلال توفير الظروف وتجهيز الأنصار، وليس المراد التخلي عن المسؤولية والجلوس في المنزل، ولا ترك الدنيا وأهلها ليعيث المفسدون فيها فساداً، فالإنتظار لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يسقط وجوب دفاع المسلمين عن ديارهم وكراماتهم. يقول الشيخ محمد رضا المظفر رضوان الله تعالى عليه:
"ومما يجدر أن نعرفه في هذا الصدد: ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ "المهدي "أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... بل المسلم أبداً مكلف بالعمل بما أُنزل من الأحكام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن
46
المنكر، ما تمكن من ذلك وبلغت إليه قدرته"كلكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عَن رعيَّته"3.
ويقول الشيخ الصافي الكلبايكاني: "وليعلم أنَّ معنى الإنتظار ليس تخلية سبيل الكفار والأشرار، وتسليم الأمور إليهم، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإقدامات الإصلاحية، فإنه كيف يجوز إيكال الأمور إلى الأشرار مع التمكن من دفعهم عن ذلك، والمراهنة معهم، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من المعاصي التي دلَّ عليها العقل والنقل وإجماع المسلمين.
ولم يقل أحد من العلماء وغيرهم بإسقاط التكاليف قبل ظهوره، ولا يرى منه عين ولا أثر في الأخبار.. نعم.. تدل الآيات والأحاديث الكثيرة على خلاف ذلك، بل تدل على تأكد الواجبات والتكاليف والترغيب إلى مزيد
47
الاهتمام في العمل بالوظائف الدينية كلها في عصر الغيبة"4.
الوظيفة الرابعة عشر: تكذيب المدعين نيابته الخاصَّة
إن النيابة الخاصة تكون من قبل الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف كانت في زمن السفراء الأربعة رحمهم الله تعالى في
الغيبة الصغرى،وقد ورد في التوقيع الصادر عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف تكذيب كل من أدعى أنه نائب خاص له، ففي الرواية حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري - قدس الله روحه - فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:
" بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين
يتبع