عرض مشاركة واحدة
قديم 12-01-2012, 09:11 PM   #4
عضو مميز


الصورة الرمزية هامة التطبير
هامة التطبير غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 573
 تاريخ التسجيل :  Nov 2012
 أخر زيارة : 05-13-2013 (05:25 PM)
 المشاركات : 357 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



رأيان في وجوب التطبير:

الأول: وربما يستدل لمن قال بوجوب تعظيم الشعائر وإقامتها - في الجملة - بقوله سبحانه: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (54).

بضميمة قوله سبحانه وتعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) (55).

حيث أن تحصيل التقوى وكسبها يعد من الأمور الواجبة شرعا وذلك لمكان صيغة الأمر في (فاتقوا) الذي قال فيها الأصوليون أنها - أي صيغة الأمر - دالة على الوجوب أو ظاهرة فيه - وكذلك (ما استطعتم) أي التقوى لازمة بمقدار الطاقة والجهد فالمؤمن يجتهد في تقوى الله ما استطاع، فإذا صار تحصيل التقوى من الأمور الواجبة وتعظيم الشعائر الإلهية (كما في منطوق الآية الأولى) من التقوى، يصبح إقامتها وتعظيمها من الأمور الواجبة أيضا.

وإذا أردنا أن نعبر عن المسألة بصيغة منطقية، نشكل قياسا منطقيا من الشكل الأول تعطينا نتيجة وجوب تعظيم الشعائر الإلهية والتي منها الشعائر الحسينية فنقول.

صغرى القياس نستفيدها من الآية الأولى بهذا الشكل:

تعظيم الشعائر من تقوى القلوب. وكبرى القياس نستفيدها من الآية الثانية بهذا الشكل:

وتقوى القلوب واجبة. فتكون النتيجة بهذا الشكل بعد حذف الحد الأوسط: إذن.. تعظيم الشعائر واجب. والقياس يتشكل بهذه الصيغة:

تعظيم الشعائر من تقوى القلوب، وتقوى القلوب واجب، إذن تعظيم الشعائر واجب.

وبما أن تعظيم الشعائر يتم بعوامل وطرق وأساليب لم تتحدد في الآيات الشريفة يصبح هذا التعظيم مطلقا.. بأي صيغة عظمتها يعد أداء للواجب المفروض على العباد. ومما لا شك فيه أن الشعائر الحسينية من وسائل التعظيم للشعائر الإلهية فتصبح واجبة - في الجملة والتطبير من هذه المعظمات إن لم يكن من أرقاها فيصبح واجبا أيضا (56).

الوجوب العيني التخييري:

الثاني: كما قد يستدل لمن قال بوجوب تعظيم الشعائر وإقامتها وجوبا عينيا تخييريا بقوله تعالى في سورة الشورى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور) (57).

وقد اتفق الفريقان - الشيعة والسنة - على أن المقصود من القربى في الآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) وأن الحسنة في الآية إنما هي مودتهم وأن الله تعالى غفور شكور لأهل ولايتهم. وهذا عندنا من الضروريات المفروغ عنها، وفيه صحاح متواترة عن أئمة العترة الطاهرة (58).

وفي آية المودة المتقدمة وقعت مودة القربى في حيز الطلب، مما يؤكد أن المودة هي الحب الظاهر لتعلق الأمر به أولاً. وثانياً إن محبة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) الواجبة هي المودة وليس الحب وحده، بمعنى أن الذي يجب على سائر الناس من محبة القربى ومودتهم هو إظهار الحب وإبرازه على جوارحهم ومواقفهم وأفعالهم وذلك بمدحهم والثناء عليهم.

- اتباعهم في مناهج العمل والآداب والسنن.

- الدفاع عنهم ونصرتهم أحياء وأمواتا.

- احترامهم وإجلالهم إحياء أيضا، وحيث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطيبين الأطهرين (عليهم الصلاة والسلام) جعلهم الله قدوة للناس يتأسون بهم في الدين والدنيا جعل الأمر بمحبتهم ومودتهم طريقا إلى الإقتداء والتأسي بهم، لأن دعوة الناس إلى محبتهم وولائهم تكون سببا إلى التفتيش عن موجبات هذه الدعوة وفلسفتها، وفي نهاية المطاف يكون هذا الأمر سببا إلى التفات الناس إلى سجاياهم وأخلاقهم التي تخلق المحبة في قلوب الناس. وبذلك يتضح أن دفع الناس إلى التعرف على عظمة الشخص يحصل بأحد أمرين:

الأول: رفع الستار عن سجاياه الأخلاقية وملكاته الفاضلة ببيان فضائله وهو عمل يوجه الناس إلى القائد بصورة مباشرة.

الثاني: الأمر بحبه ومودته وموالاته ويكون سببا لإقبال الناس عليه والتعرف بالتدريج على مؤهلاته وصفاته وسجاياه.

وعلى هذا الأساس يعتبر الأمر بمودتهم (عليهم السلام) منطلقا للتعريف وأساسا للإتباع ولعل من هنا قال سبحانه: (وما سألتكم من أجر فهو لكم) (59).

إذن، الظاهر أن المقصود من المودة في الآية هو الارتباط، وبالنتيجة: التعرف على المعارف والأصول، وفي مرحلة أخرى الإتباع والاقتداء العملي فيصير طلب المودة نوعا من طلب الإتباع للرسول وكتابه.

قال تعالى:

(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (60).

ومن كل ما تقدم نفهم:

أن مودة أهل البيت (عليهم السلام) واجبة. والمقصود من المودة هو الحب الظاهر على جوارح الموالين وأفعالهم ومواقفهم.

وبما أن إظهار الحب والموالاة يختلف من إنسان لآخر... ومن مظهر لأخر، يصبح وجوب الإظهار عينياً تخييرياً.

أما عينياً فلأن الجميع مكلف بمودتهم (عليهم السلام) والحسين (عليه السلام) منهم.

بل أن للحسين (عليه السلام) في هذه الآية عناية ربانية خاصة وتأكيدا على الحب والمودة فقد ورد في أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى ابن عباس قال:

(كنا جلوسا مع النبي (صلى الله عليه وآله) إذ هبط عليه الأمين جبرائيل (عليه السلام) ومعه جام من البلور مملوء مسكا وعنبرا. وكان إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي ابن أبي طالب وولداه الحسن والحسين إلى أن قال: فلما صارت الجام في كف الحسين (عليه السلام)، قالت:

(بسم الله الرحمن الرحيم قل لا أسألكم علية أجرا إلا المودة في القربى) (61).

وأما تخييرياً فلأن كل واحد يظهر هذا الولاء والحب بطريقته الخاصة، فبعضهم بواسطة اللطم على أحزانهم وبعضهم البكاء وبعضهم بالإطعام، وبعضهم بالزيارة، وبعضهم بالتطبير وهكذا.

كل يجب عليه إظهار حبه وولائه لأهل البيت، ولكن عليه انتخاب الطريقة التي يريدها، وذلك لأن من شروط المحبة والموالاة الفرح لفرح المحبوب والحزن لحزنه (62) ومما لا شك فيه أن التطبير من أجلى مظاهر إبراز الحب والموالاة بل والمواساة للحسين (عليه السلام) وآل الحسين (عليهم الصلاة والسلام) في جروحهم وآلامهم كما قال الشاعر.

وإن الأولى بالطف من آل هاشم***تآسوا فسنوا للكرام التآسيا

وبذلك يظهر أن التطبير واجب عيني تخييري (63).

هل الضرر يمنع من التطبير؟

أما من يزعم أن التطبير عمل محرم في الشريعة، فالظاهر أنه لم يقم لنا دليلا على حرمته كي نتأمل في صحته وسقمه... ورغم ذلك سنتطرق للضرر بعض الشيء لنرى هل يمكن أن يشمل التطبير في الموضوع أو الحكم أم لا؟

يقول الفقهاء: أن الضرر الذي لا يجوز الإقدام على ارتكابه هو ما لازمه أحد أمور ثلاثة:

الأول: قتل النفس، فإن هذا لا يجوز لأدلة حرمة قتل النفس (64).

الثاني: قطع عضو من أعضائه كأن يقطع يده أو رجله أو يقلع عينه أو يصلم أذنه ونحو ذلك فإن مثل هذا الضرر لا يجوز ارتكابه ومرتكبه يعد عاصيا في الشريعة.

الثالث: أن يشل قوة من قواه على عمل يؤدي إلى فقدان بصره أو فقدان سامعته أو شل يده أو رجله ونحو ذلك. فإن مثل هذه الأعمال التي تؤدي إلى هذه الأضرار محرمة ومرفوعة بدليل (لا ضرر في الإسلام) وأما سائر الأضرار الأخرى التي لا تصل إلى هذا الحد من الضرر فإنها جائزة مباحة في الشريعة بل أحيانا مستحبة كما تقدم.

قال السيد أبو القاسم الخوئي في مصباح الأصول (ج 2 ص 551) أنه يجوز للإنسان أن يضر نفسه (ما عدا القتل وقطع الأعضاء) إذ لا دليل على حرمته.

ننقله (بتوضيح منا):

(التحقيق عدم ثبوت ذلك (أي حرمة الإضرار بالنفس) على إطلاقه. أي حتى في غير التهلكة وما هو مبغوض في الشريعة المقدسة كقطع الأعضاء ونحوه، لأن المتقين من حرمة الضرر في النفس هو ثلاثة فقط هي:

1- قتل النفس فهو حرام.

2- قطع عضو من أعضاء البدن.

3- إسقاط قوة من قوى النفس أو البدن.

فإن العقل لا يرى محذورا في إضرار الإنسان بما له بأن يصرفه كيف يشاء بداع من الدواعي العقلائية ما لم يبلغ حد الإسراف والتبذير، ولا بنفسه بأن يتحمل ما يضر ببدنه فيما إذا كان له غرض عقلائي بل جرت عليه سيرة العقلاء، فإنهم يسافرون للتجارة مع تضررهم من الحرارة والبرودة بمقدار لو كان الحكم الشرعي واجبا لهذا من الضرر لكان الحكم المذكور مرفوعا بقاعدة لا ضرر.

(وكذا النقل لم يدل على حرمة الإضرار بالنفس) انتهى.

والتطبير كما هو معروف مشهور بين الناس لا يلازم أي نوع من هذه الأضرار المتقدمة فلا تشمله أدلة حرمة الضرر بمعنى أن دليل لا ضرر منصرف عن هذه الأضرار الطفيفة التي لا تلازم قتل النفس أو قطع الأعضاء أو إسقاط قواها.

كيف وقد ثبت بالوجدان والمشاهدة والتجارب العديدة المتكررة على مرور الأيام والأعوام أن التطبير يحظى بعناية خاصة من الحسين وأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وقد ظهرت من المعاجز والكرامات فيه ما يعجز الكلام عن وصفه وتقصر هذه الوريقات البسيطة على احتوائه، خاصة ونحن على هذه العجالة في الوقت لا مقدور لنا على أن نصفها ونذكرها، ولعل من أجلى المعاجز والكرامات فيه ما يظهر في الضرب القاسي بالسيف المسلول والقامات الحادة على الرأس المحلوق ونزول السيف حتى العظم، فإنه لابد أن يقضي على الإنسان حسب القوانين الطبيعية، كما يؤكده الطب القديم والحديث. ولكننا نرى ألوف المتطبرين يتطبرون صباحا ثم ينظمون أنفسهم في مواكب تطوف في الشوارع والأزقة والطرقات ثم تعود إلى الحمام وتطوف في بقية البلاد مسافات معتد بها في لفح الصيف وعواصف الشتاء ولكن عندما يدخلون الحمام يغسلون رؤوسهم بلا مبالاة طبية ثم يخرجون ويشتركون في مواكب اللطم والسلاسل حتى الليل، ومع ذلك، ومع توفر أكثر الدواعي للانهيارات البدنية ولكن لا يصاب أحدهم بمكروه.

ولئن سقط أحدهم حين الضرب لكثرة نزف الدماء وتغلب الضعف عليه فسرعان ما ينهض ويواصل دوره في موكب التطبير وبقية المواكب. يقول بعض الأعلام في هذا المجال:

(وإنني شخصيا لم أسمع برجل سقط فمات إلا وتتبعته فإذا به يمشي في الشوارع ويلعن أعداءه الذين أشاعوا موته كذبا) (65).

ويقول الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء (قدس سره) في كتابه الآيات البينات الصفحة (18):

(لا ريب أن جرح الإنسان نفسه وإخراج دمه بيده في حد نفسه من المباحات الأصيلة ولكنه قد يجب تارة وقد يحرم أخرى وليس وجوبه أو حرمته إلا بالعناوين الثانوية الطارئة عليه وبالجهات والاعتبارات فيجب كما لو توقفت الصحة على إخراجه كما في الفصد والحجامة وقد يحرم كما لو كان موجبا للضرر والخطر من المرض أو الموت وقد تعرض له جهة تحسنه ولا توجبه. وناهيك بقصد مواساة أهل الأباء وخامس أصحاب العباء وسبعين باسل من صحبه وذويه حسبك بقصد مواساتهم وإظهار التفجع والتلهف عليهم وتمثيل شبح من حالتهم مجسمة أمام عيون محبيهم ناهيك بهذه الغايات والمقاصد جهات محسنة وغايات شريفة..

أما لو ترتب الضرر أحيانا بنزف الدم المؤدي إلى الموت أو المرض المقتضي لتحريمه فذاك كلام لا ينبغي أن يصدر من ذي لب فضلا عن فقيه أو متفقه..

أما أولا: فلقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية وما رأينا شخصا مات بها أو تضرر، ولا سمعنا به في الغابرين.

وأما ثانيا: فتلك الأمور على فرض حصولها إنما هي عوارض وقتية ونوادر شخصية لا يمكن ضبطها ولا جعلها مناطاً لحكم أو ملاكا لقاعدة وليس على الفقيه إلا بيان الأحكام الكلية أما الجزئيات فليس من شأن الفقيه ولا من وظيفته والذي علينا أن نقول: إن كل من يخاف الضرر على نفسه من عمل من الأعمال يحرم عليه ارتكاب ذلك العمل.

وقال العلامة الشيخ إبراهيم مظفر (قدس سره) في (نصرة المظلوم) الصفحة (10) رداً على مزاعم البعض الذين يقولون بموت بعض المتطبرين:

(وهنا ربما ينبري بعض... ليقول: إنه مات من (المطبرين): بعضهم في مواكب التطبير، لكنها فرية بلا مرية فإني منذ أدركت لليوم ما رأيت ولا سمعت أن واحدا مات بذلك في أي سنة وأي بلدة فضلا عن جماعة في كل سنة ولقد سألت كثيرا ممن جاوز السبعين والثمانين من سني عمره من ثقاة أهل النجف وكربلاء والكاظمية وغيرهم من علماء البلدان وصلحائهم وكل أنكر أن يكون رأي أو سمع أن واحدا من أولئك تألم ألما يوجب مراجعة الجراح كيف وأغلب أفراد مواكب السيوف يجرحهم كبراؤهم بسكين دقيقة جروحا خفيفة يظهر منها الدم بواسطة الضرب على الرأس لا بالجرح بمجرده من دون أن يحصل لهم إيلام مزعج لأن غرضهم صوري وهو البروز بصورة التقتيل والجريح).

وفضلا عن كل ذلك فقد نقل الثقاة أن عدة من مراجعنا العظام (قدس الله أسرارهم) كانوا يرون وجوب التطبير عينا وبعضهم كفاية كالشيخ المامغاني (قدس سره) حيث كتب رسالة خاصة في وجوب التطبير وكان في كل يوم عاشوراء هو وكل مقلديه يتطبرون..

وكذلك المولى الدربندي صاحب أسرار الشهادة وكان من مراجع التقليد في كربلاء المقدسة المعاصرين للشيخ الأنصاري فكان يفتي بوجوب التطبير ويتطبر هو ومقلدوه في كل عام.

وغيرهم من علماء السلف.. كما أن العديد من علماء اليوم أيضا يفتون بوجوبه وهم عملاً يمارسون هذه الشعيرة العظيمة. ولو كانوا يرون إضرار النفس عملا محرما في الشريعة لما أفتوا بوجوبه ولما عملوا به أيضا..

كما أن بعض الأطباء عقدوا في الحسينيات التي يقام فيها التطبير ندوة طبية في هذا الشأن بعد إجراء عمليات اختبار عديدة على المتطبرين ودمائهم وحتى السيوف والقامات التي يضرب بها المواسون للحسين رؤوسهم فلم يتمكنوا من تفسير عدم التلوث والإصابات المرضية عند المتطبرين إلا بالمعجزة. حتى قال بعضهم (إن هذه الظاهرة لا يتمكن الطب الحديث أن يجد لها تفسيرا صحيحا سوى الغيب). إذن.. إن وجود هذه المعجزة البينة في موكب التطبير يكشف عن أن الإمام الحسين (عليه السلام) يوليه عناية خاصة وكفاه دليلا على الرجحان.

أهل البيت (عليهم السلام) يقدمون على الضرر:

وأخيرا نقول حتى لو كان التطبير يقترن ببعض الأضرار التي قد يعتد في بعض مراتبها العقلاء مما قد يتوهم أنها مشمولة بأدلة حرمة الضرر، إلا أن الظاهر من سيرة العقلاء في تمشية أمور معاشهم ومعادهم أنهم يقدمون على ارتكاب بعض الأضرار إذا كانت تتزاحم بمصلحة أهم أو يحصلون من وراء الوقوع في الضرر مصالح أخرى يمكن أن تعوض عن خسارات الأضرار. وكما يبدو أن هذه السيرة يقبلها أي عاقل إذا رجع إلى وجدانه. فمثلا: نجد أن العقلاء يقدمون على إجراء العديد من العمليات الجراحية في سبيل اجتثاث بعض الأمراض من أبدانهم مع علمهم أحيانا أن احتمال الموت فيها 50% أو أكثر الأحيان يقدمون على هذه الأضرار البدنية مع علمهم بعدم خطورة المرض ولكنهم يفضلون الإقدام على العملية من اجل أن يتمتع المريض بعدها بصحة أفضل وجسم أسلم.

كما أن أصحاب التجارات يقدمون على ارتكاب أشق الأعمال وأهولها في سبيل نيل المكاسب وزيادة الأرصدة المالية وتقديم تجارتهم إلى الإمام وهكذا.

أقول: إذا كان الإقدام على ارتكاب بعض الضرر من أجل أمور الدنيا مقبولا عند العقلاء معمولا به بل مندوبا من أجل مصالح أهم..

فالإقدام عليه من أجل الأجر الأخروي يكون بشكل أولى محبوبا ومقبولا عندهم من أجل مصالح أهم، وقد ثبت أن مصالح الآخرة لا تعدلها مصلحة، وفوائدها لا يقوم مقامها شيء من فوائد الدنيا.

ومن هنا نجد أن سادات الشريعة (محمد وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام) وهم أقرب الناس عند الله سبحانه وتعالى كانوا يقومون ببعض الأعمال العبادية المستحبة التي تعود عليهم بالأضرار من أجل إظهار العبودية والتذلل والتقرب أكثر إلى ربهم سبحانه.

جاء في تفسير الصافي للفيض الكاشاني (قدس سره) عند تفسير قوله تعالى (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) (66):

(وأما طه فاسم من أسماء النبي (صلى الله عليه وآله) ومعناه يا طالب الحق الهادي إليه…

ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى؛ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورم فأنزل الله تبارك وتعالى طه (67).

والظاهر أن هذا المعنى مما اتفقت عليه كلمة المفسرين المسلمين بل قامت عليه الأخبار أيضا، ففي الكافي عن الباقر (عليه السلام) قال:

(كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند عائشة ليلتها فقالت: يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة أولا أكون عبدا شكورا؟ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه طه ما أنزلنا…(68)، والشقاء هو الشدة والعسر.

وأيضا جاء في تفسير قوله تعالى في سورة المزمل خطابا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك) (69):

إن رسول الله والإمام أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة وبعض الخواص من أصحاب رسول الله كانوا يقومون الليل بالعبادة حتى انتفخت أقدامهم...(70).

كما ورد في بعض الروايات فضل الحج إلى بيت الله الحرام مشيا على الأقدام وعمل الأئمة (عليهم السلام) به ففي الوسائل عن الحلبي قال:

(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل المشي فقال: الحسن بن علي (عليهما السلام) قاسم ربه ثلاث مرات حتى نعلا ونعلا وثوبا ثوبا ودينارا دينارا وحج عشرين حجة ماشيا على قدميه) (71).

وعن الصادق عن آبائه (عليهم السلام):

(إن الحسن بن علي (عليهما السلام) كان أعبد الناس وأزهدهم وأفضلهم في زمانه وكان إذا حج حج ماشيا ورمى ماشيا وربما مشى حافيا) (72).

وفي خبر آخر:

(وكان الحسين بن علي (عليهما السلام) يمشي إلى الحج ودابته تقاد وراءه) (73).

أقول: وعمل الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) هذا لم ينحصر في مجال الحج بل في أكثر عباداتهم وأعمالهم كانوا يضغطون على أنفسهم الطاهرة في الجوع والعطش وقيام الليل ولبس الخشن والحج ومشيا بل حفاة من أجل التقرب إلى الله سبحانه ونيل الزلفة لديه، وقد ورد في بعض الأخبار (أن أفضل الأعمال أحمزها) (74) (وأن الأجر على قدر المشقة) (75) وسيرتهم معروفة مشهورة في كتب التاريخ فراجع.


 

رد مع اقتباس