فهم بحاجة إلى هكذا جيش ، متوفّر لديهم قدر النصاب الشرعي على الأقل ، وقبل القيام بالحركة أو الثورة ؛ لكي لا تتكرر نكسة صفين ، أو مأساة كربلاء ، أو نكبة الحسن على يد جيشه يوم ساباط .
وخلاصة الكلام هو أنْ نقول : أمّا القيام لأجل أخذ حقّهم في الخلافة ، وانتزاع السلطة مِنْ أيدي الظالمين فإنّه كان مستحيلاً عادة بالنسبة لهم ؛ لعدم توفّر الشرائط واللوازم الضرورية لمثل هذا القيام لديهم ، وأهمّها الأنصار والأعوان المخلصون .
غير أنّهم كانوا يدعمون معنويّاً وماديّاً وفكريّاً قدر استطاعتهم كلّ الثورات الحرّة ، والحركات الإصلاحية التي كانت تقوم بين حين وآخر ضد الاُمويِّين أو العباسيِّين ، مثل : ثورة أهل المدينة على يزيد (لعنه الله) ، وثورة زيد بن علي بن الحسين على عبد الملك بن مروان ، وثورة المختار الثقفي في الكوفة ، وثورة محمد ذو النفس الزكية على المنصور العباسي ، وبعدها ثورة أخيه إبراهيم أحمر العينين على المنصور أيضاً وغيرها .
وأمّا القيام لأجل التضحية والشهادة مثل قيام الحسين (عليه السّلام) ، فإنّه لمْ يكن ضرورياً في عصرهم ؛ لأنّ وسائل الإعلام والدعوة إلى الحقّ ، وطرق إتمام الحجّة وتبيلغ الرسالة لمْ تنعدم كليّاً في عصر الأئمّة (عليهم السّلام) ، كما انعدمت في عصر الحسين (عليه السّلام) حتّى اضطر إلى القيام بالإبلاغ والإعلام عن طريق التضحية والشهادة .
فالإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السّلام) مثلاً قاما بأوسع حركة علميّة مستطاعة في ذلك العصر عن طريق المدرسة والتدريس ، ونشر العلم واستقطاب العلماء ، وتربية ثلة من الشباب المؤمن بالتربية الإسلاميّة ، وبثهم في الأقطار والأمصار يبشرون ويرشدون ويعلّمون . فكان عصرهما (عليهما السّلام) أحسن عصور الإسلام ازدهاراً بالعلم والمعرفة ، وتقدّم الثقافة وكثرة المدارس والمجالس العلميّة .
وبقي الحال على هذا الوصف ، بل وازداد تقدّماً وازدهاراً إلى عصر الإمام الرضا والجواد (عليهما السّلام) . . . وهما اللذان كوّنا بجهودهما وبمعونة المأمون العباسي ، وتعاون المجتمع معهما ، كونا من المسلمين أساتذة للعالم الغربي اليوم بكلّ علومه واكتشافاته المدهشة .
قال ابن الوشا : دخلت إلى جامع الكوفة في أيّام الرضا (عليه السّلام) فرأيت تسعمئة شيخ يحدّثون ويدّرسون ويقولون : حدّثنا جعفر بن محمد (عليه السّلام) .
وفي الختام نكرّر القول : بأنّ خدمة المصلحة العامّة ونصرة الحقّ ومكافحة الباطل والظلم ليست في الحرب دائماً ، بل الأمر يختلف باختلاف الظروف والأحوال .
والحرب الدمويّة هي آخر وسيلة يفكر فيها المصلحون المخلصون لاُمّتهم وللصالح العام بعد اليأس من الوسائل السلمية . وإلى هذا يشير الإمام علي (عليه السّلام) في كلماته القصار : (( رأي الشيخ أحبّ إليّ مِنْ جلد الغلام )) .
وإلى هذا يشير المتنبي الشاعر في أبياته المعروفة فيقول :
الـرأيُ ثمّ شجاعةُ الشجعانِii هو iiأوّل وهي المحلّ الثاني
فـإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرّةٍii iiبـلغتْ من العلياءِ كلَّ مكانِ
و لـربّما طعن الفتى أعداءهُii بالرأي iiقبل تطاعنِ الأقرانِ
لولا العقولُ لكان أدنى ضيغمٍ أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ
وقد جاء في الحديث الشريف قوله(صلّى الله عليه وآله):(مدادُ العلماء أفضل مِنْ دماء الشهداء) .
مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب:الشيخ عبد الوهاب الكاشي
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
خَادِمْ أَهّلُ الْبِيّتَ
شرف الشمس
|