المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فلسفة النهظة من الامام الحسين الى الامام المهدي (عج)


عباس الشمري
01-12-2013, 12:37 PM
النهضة في مفهومها الاسلامي كقضية فكرية وتاريخية وكرؤية فلسفية تختلف في بعض مفاصلها عن مفهوم الثورة، فبينما تدعو الاولى (النهضة) الى تحريك الوعي الجمعي من خلال موقف تسلسلي يقود الى حتمية الخلاص من الظلم والقهر والسعي لبناء مجتمع يحقق الفلسفة التي ارادها الخالق تعالى شأنه في مسألة (الجعل إلهي) كما في قوله تعالى: " أني جاعل في الارض خليفة ". (1) التي تكشف عن ان مفهوم الخلافة الحقيقية إنما هي نص إلهي يقع في دائرة الوحي مما يعني انه ليس من إختصاصات المخلوق، وهي بالتالي تطرح مفهوما مستقبليا يتجاوز الاني الى الآتي، نجد في المقابل ان القضية الثانية (الثورة) تحمل رؤى آنية في الاغلب، وهي قد تكون نتاجا لمفهوم النهضة وربما شكلا من أشكال تاثيراتها كمثل كل تلك الانتفاضات والثورات الاسلامية وغير الاسلامية التي تأثرت بالنهضة الحسينية وبفكرة شهادة الامام الحسين عليه السلام على مسار حركة التاريخ.



إن حالة التغيير التي تطرحها النهضة تستدعي قيام عدد من التحولات التاريخية والاجتماعية والانسانية من أجل التقدم باتجاه المستقبل، مما يحقق قضية الخروج التي دعى اليها الله (من الظلمات الى النور) من مفهوم عقائدي يكون نتاجا لقضية (الخلافة الالهية).



نحن في هذا الجزء من سلسلة بحوثنا في فلسفة التاريخ نناقش قضية النهضة من خلال مفاهيم أهل البيت عليهم السلام باعتبارهم السبيل الوحيد للخروج من إشكاليات الظلم والقهر التي عاناها المجتمع الاسلامي خاصة والمجتمعات البشرية عامة في ظل استبداد الطغيان على مسار حركة التاريخ.



الحسين عليه السلام ومشروع الاستنهاض:

لا تتكرس قضية النهضة الحسينية في شكل الشهادة وظروف تحققها مع ان هذا الجانب وحده يستحق البحث والتركيز عليه، ولكن الاهم في قضيته هي الطبيعة العقائدية لشهادته عليه السلام باعتبارها منهجا للعودة بالمشروع الاسلامي إلى اصالته الرسالية، ومن هنا يجب ان يكون التساؤل ليس في كيفية قتل الامام الحسين عليه السلام واستشهاده، وإنما يكون السؤال الاهم : " لأجل من أستشهد عليه السلام " ؟



هذا التساؤل لا يجاب عليه من خلال ظروف وأحداث واقعة كربلاء أو حصر تاريخ الامام الحسين عليه السلام في هذه المرحلة فقط، ولكن الاجابة تبدأ من حيث ولادته وظروفها ونشأته التكوينية والوجودية، حيث اشرنا في بحوث سابقة الى ان ولادة الانبياء والرسل وأوصيائهم والائمة عليهم السلام بكونها أحد أشكال النهضة إذ تعكس الحاجة المستمرة لوجود مصلحين مختارين من الله عزوجل لانقاذ البشرية من ضحالة الانحطاط، وهنا تظهر قضية ارتباط الاصلاح بالامامة بعد الرسالة الخاتم، فالامامة ذاتها كفكرة اصلاحية تقع في دائرة الوحي وهي أمر الهي كما في قوله عزوجل:

" وإذ إبتلى إبارهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين ". (2).

وقوله عز شأنه: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ". (3)

وقوله: " وجعلناهم أئمة يهدون بامرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ". (4)

وقوله تعالى: " وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون ". (5)

في قراءة موضوعية وعقلية للآيات السابقة نجد ان:

اولا: الامامة أمر الهي يؤكدها قوله عزوجل (إني جاعل، ونجعلهم، وجعلناهم، وجعلنا منهم) مما يؤكد انها من أختصاصات الله عزوجل وهي تتفق مع الخلافة في قضية الجعل الالهي (إني جاعل في الارض خليفة).

ثانيا: إن الامامة عهد الهي اختص الله به اهل العدل والتقوى والعبادة، وهي محال أن ينالها الظالمين ولا من لم ينص الله عليهم مثل الطلقاء واشباههم (لاينال عهدي الظالمين).

ثالثا: ذاك الترابط الحقيقي بين الامامة والهداية، ومن هنا جاء قوله تعالى: (يهدون بأمرنا)، فالهداية هنا أمر الهي صادر عن الله وليس مجرد رغبة بشرية في الاصلاح مما يؤكد طبيعة الهداية كمنهج اصلاحي وارتباطه بالعقيدة السماوية.

رابعا: إن حركة الاصلاح التي نهض بها الائمة عليهم السلام انما هي وحي الهي كما في قوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بامرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات ) ليكون تحرك كل أمام في عصره أمرا الهيا يتناسب وإشكاليات العصر وحاجيات المجتمع في استنهاض الوعي الجمعي وهي لا تناقض فكرة التغيير التي قال الله عنها:

" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ". (6)



فالتغيير لايكون عبثيا إذ لاعبثية في الوجود، وهو يخضع للشروط الالهية في القيادة والتفاعل مع الاشكالات ولهذا وجب ان تكون قيادات التغيير مختارة من الله عزوجل، وهي ايضا ليست من مختارات الانسان والاية تشير الى وجوب التغيير حتى يتم تحقيق الامر الالهي، ومن هنا كانت الرسالات السماوية واستمرارها عبر الامامة ليتكامل الفعل النهضوي والاصلاحي إستكمالا للامر الالهي.



من هنا أيضا تتجلى حقيقة الامة الاسلامية باعتبارها أمة تعيش صيرورة مستمرة عبر تغيير يسعى الى تحقيق مشروع حضاري وكوني يتم التأسيس له عبر الوحي الالهي، فارتباط التغيير بالسماء يؤكد اصالته الالهية ويناقض الرؤية الغربية كونه حالة آنية تحكمها إحتياجات مرحلية قد تنتهي.



وفق هذه الطروحات ندرك فلسفة نهضة الامام الحسين عليه السلام حيث توفرت فيه المزايا الالهية التي توفرت في ابيه الامام عليه واخيه الامام الحسن وبقية الائمة عليهم السلام من إختيار الهي وصفات عقائدية كانت مهمتهم في الهداية تقوم على الاستمرار بالعقيدة الرسالية والحفاظ على اصالتها من الانحراف، مما يؤكد ان الائمة عليهم السلام قد ربطوا تحركهم مواقفهم بالامر الالهي ووحي السماء كما اشرنا سابقا.



إن إدراك الامة ووعيها بحقيقة قضية نهضة الامام الحسين وشهادته إنما يتم من خلال رؤية معرفية باعتبارها قد حققت العلاقة بين العقيدة وحركة التاريخ حد الشهادة في ارض كربلاء، مما يعني ان شهادته قد أوجدت معنى لصيرورة تاريخية تتمسك بها الامة في مشروعها المستقبلي.



تحولات وعي الامة:

تكتسب النهضة الحسينية قيمتها باعتبارها فعلا حضاريا يركز على استعادة القيم السماوية في قبال الانحراف الكبير الذي قادته ما تسمى جزافا الدولة الاموية (7). فالدولة بالاصل ظاهرة حضارية وهي ايضا حاجة اجتماعية ايدها الوحي وجعلها بالاطر الالهية من خلال خلافة الانسان على الارض، ولهذا لا يمكن أن تقع معايير الدولة في المفهوم الاسلامي خارج الاطار الشرعي، باعتبار ان الاسلام أمة وهو يدعو الى تحقيق (دولة الامة) باعتبار انها تمثل واقعية الفكر الاسلامي كمنهج متطور، وهذا يعكس التباين بين فكرتي (واقعية المعقول و معقولية الواقع) فالموقف الاسلامي من الواقع ينطلق من خلال قيم عليا تتمثل بوعي مؤمني الامة بالعقيدة الالهية وتشبثهم بالمثل العليا في تطبيق الشريعة على الارض، وقد خصصنا هنا طبيعة الوعي بالمؤمنين حيث ان ليس كل الامة تحتمل وعيا متطابقا بل ثمة تباين كبير في مستويات الوعي الجمعي، فظهور قيادات حقيقية ترتكز على الاسس الالهية في مشروعها الاصلاحي انما يمثل اعلى مستويات الوعي وهذا لايتوفر لكل المسلمين ولا لكل المؤمنين فالوعي الادراكي بحقيقة الامر كان وعيا معصوما وهو من مميزات الائمة عليهم السلام بعد الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله.



لقد اراد الله عزوجل ان تكون حركة تاريخ الامة وفقا للمسارات الالهية عبر تاريخ الرسالات السماوية، غير ان انحراف كل امة عن المسار الالهي ادى الى سقوطها في وحل الانحطاط نتيجة لتخليها عن المثل العليا، وقد شهدت الامة الاسلامية هذا الانحراف بعد فترة وجيزة من رحيل الرسول الخاتم بل ان التأسيس للانحراف قد بدأ مبكرا في عصر الرسالة ثم تحولت مفاهيم الخلافة الى ملك دنيوي مما ابعدها عن مصادرها الالهية.



القيمة الواقعية للانتظار:

إن التاسيس الحقيقي لقضية الانتظار يتشكل عند مفاهيم استنهاض الوعي للخروج من حالة الاستسلام للواقع المنحرف عن الخط الرسالي، وهذا المشروع هو الذي قامت عليه الرسالات السماوية بكونها إنبعاثات للاصلاح عبر استنهاض مكامن الوعي بحقيقة الفساد المعاش في كل عصر.



وقد ارادت الرسالة الخاتم أن تكون الامة مدركة لاستمرار النسق الالهي بعد وفاة الرسول من خلال الأمامة التي أدرك التيار القبلي منذ البداية قوتها فعمل على منع تحقق حركتها امام المجتمع منذ قضية (رزية يوم الخميس ثم السقيفة) وتشويه مصادرها من خلال تفسيرات كيفية لا تتفق والمنهج الالهي في تحقيق خلافة الانسان على الارض، مما انعكس على مفهوم الانتظار بكونه استمرارا لقضية الامامة بل هو في صلب مشروعها المستقبلي.



لاشك ان نكوص الامة عن تحقيق غاياتها ناتج عن انحرافات متعددة تشكلت عبر مراحل تاريخية قد يكون بعضها يعود الى عصر الراسلة ذاته بسبب اصرار البعض على الحفاظ على منهج التفكير القبلي في قبال التفكير الرسالي المتحضر ويمكن ملاحظة اشكا الانحرافات في النقاط التالية:



الاولى: الانحراف في تفسير طبيعة الغايات: حيث سعت مجموعات (اسلامية) الى تبني غايات غير التي ارادها الله في نهوض الامة أدت الى محاولات تغليب العنصر القبلي على الارادة الالهية كما في قولهم بعد السقيفة وتنصيب ابو بكر حيث قالوا: (نظرت قريش لامرها فاختارت)، او قولهم: (أختارت قريش لنفسها فاصابت ووفقت) (8).

فقريش كرهت ان تكون الخلافة والامامة في بيت بني هاشم فقررت ابعاد الامامة (الامام علي عليه السلام)، واختارت لنفسه بعيدا عن النص الالهي، وهو ما يتفق وقوله عزوجل:

" ذلك بانهم كرهوا ما انزل الله فاحبط اعمالهم ". (9)



الثانية: تخلي السلطة عن القانون الالهي لصالح القانون القبلي: حيث غلبت المعيارية القبلية على المعيار الالهي الذي نص: " إن اكرمكم عند الله اتقاكم ". بل حاولوا تفسير النصوص الالهية لصالح المنظور القبلي مما سمح بتفضيل المفضول على الفاضل من جانب ووصول من غير اصحاب الحق للسلطة.



الثالثة: تحويل القوة لصالح السلطة: مما ادى الى اضعاف العلاقة بين السلطة والمجتمع بعد ان تم قمع ارادة الامة بالقهر.



كانت تلك ملامح أوليه تؤدي وحدها لحاجة الامة لحركة اصلاح تتبنى مثل عليا لتخرج بالامة من ضحالة الركود، فالرسالة الخاتم سعت لتحرير المجتمعات وليس للعودة بهم الى حالة النكوص والتردي.



إذن القيمة الحقيقية للانتظار هو الدفع لتحفيز الامة للتحضر للمستقبل وفق الشروط الالهية، باعتبار ان الامام المهدي عليه السلام شخصية حقيقية وجدت في التاريخ الاسلامي وما تزال، وهذا هو مكمن قوته باعتباره سيكون شاهدا حيا على حركة التاريخ ليكشف لنا كل الاخفاقات التي عاصرها وليبين لنا حقيقة الحاجة للتغيير.



فالانتظار هنا جزء من صيرورة الامة وتحركها نحو المستقبل مما يعني حاجة الامة الى استمرار الوعي في علاقتها بالله عزوجل باعتبار أن التعبد لله علاقة واعية ومسؤولة في ادراكها لقيمة تحرك الامة كفعل عقائدي وتشريعي لاحداث التغيير من منظور الهين حيث سيكون الامام المهدي قائد فعل التغيير وفقا للشروط الالهية مما يعني ازالة التناقضات الاجتماعية ليتم ترسيخ بناء جديد وواقعي.



عايش التحرك الاسلامي منذ عصر الامام الحسين وحتى الان مراحل من التباين في طبيعة الوعي بحقيقة التغيير مما أدى الى تباين نتائج الحركات الاصلاحية منذ حركة المختار ومرورا بالتوابين وحتى ثورة (زيد بن علي بن الحسين) عليهم السلام، اضافة لكل النهضات والانتفاضات الشيعية عبر حركة التغيير وكلها تستلهم فكر الامام الحسين عليه السلام، وحتى بقية الائمة من آل البيت النبوي ممن لم يحمل السيف بل جعل الاصلاح منهجا وفقا لظروف المرحلة التاريخية انطلاقا من إدراكهم المعصوم لحقيقة حركة التاريخ، وهم في كل مرحلة انما كانوا يضعون الأسس الواقعية لعصر الظهور مما يعني مشاركة الامة في تحقيق غاياتها من الانتظار. والسلام عليكم

سيد عدنان الحمامي
01-13-2013, 06:01 AM
احسنتم

واحسن الله اليكم

ووفقكم

يارب

http://files.fatakat.com/2010/3/1268826346.gif